الثلاثاء، 17 فبراير 2009

الرقص على ايقاع عفريت ..

منذ البارحة ....وعفريت محمود درويش يراقصني بايقاع كلماته ....

عناوين للروح خارج هذا المكان ....احبُ السفر
الى قرية لم تعلق مسائي الاخير على سروها ....واحبُ الشجر
على سطح بيت رآنا نعذب عصفورتين ...رآني نربي الحصى ...
أما كان في وسعنا ان نربي أيامنا ...
لتنمو على مهل في اتجاه النبات ؟؟؟...احبُ سقوط المطر ...
على سيدات المروج البعيدة ...ماء يضيء ...ورائحة صلبة كالحجر ....
أما كان بوسعنا ان نغافل اعمارنا ...
وان نتطلع اكثر نحو السماء الاخيرة قبل أفول القمر ؟؟؟
عناوين للروح خارج هذا المكان ...احبُ الرحيل ...
الى اي ريح ...ولكنني لا احبُ الوصول ....


فيصيبني ايقاعها باليقظة ....فارقص كما لم افعل من قبل ....
وبكل ما اوتيت من حب الحياة ....اخبط الارض بكل فكرة ارقصها ....فأزداد حبا للرحيل ...فاكررها ...
فازداد حبا للمطر ...واكررها ...فازداد حبا للشجر ...
واكررها ...فازداد حبا للريح ....وكأني اريد الوصول الى النشوة ...بعدم الوصول ....
فأصل الى ما لست اريد ....فأكررها ...فيصاب العفريت بالاسى ....واسقط صريعا على باب الريح ...
مكبلا بشبق المكان والزمان ...لتاخذني كينونتي الى حيث اريد الوصول ....
ولكني لم اعد اريد الوصول !!!!...اصرخ مليء السقوط ...
لا اريد الوصول
لا اريد الوصول
لا اريد الوصول




ثمة لقد وصلت !! ما

.....
..........
لا عزاء لك ....قال عفريتي //بغضب ساخر // ...وبدأ بخلع ما يرتديه ...وبدأ بالرقص ....
...صمت ...ولم اجد جوابا لما قاله ...فهذه المرأ الاولى التي يخاطبني بها بهذه النظرة / النبرة ....فقد اعتدت عليه راقصا بكلماته ...
توقفت عن التفكير بالاجابة ...وبدأت انتظر دعوته للرقص ...فلم يفعل !!
انتظرت التقاء نظراتنا ...فلم يحصل !!
انتظرت توقفه عن الرقص ليوجه لي اي كلمة ...فلم يتكلم ولم يتوقف !!
انتظرت ان ابدا انا بالرقص...فلم افعل !!
انتظرت ايقاعا ما يجبرني على الرقص ...فلم يأتي !!
انتظرت قرار التوقف عن الانتظار ...فلم يأتي !!


ثمة ومازلت جالسا يرقص وحده ...ما

....
..........

من منا الذي بدا بالرقص عندما لاحت من بعيد مغادرة ... عفاريتي ... اما اضلاع صوتي ...
فقط ما اعرفه في هذه اللحظه ..انه على عزف كعبها العالي المدبب ذاهلا وذاهبا ... بدات ارجلي بالحركة ...والعفاريت تقفز على كتفي ...
يصاحبنا في العزف ... ضحكات ...وصوت نشيج يأتي من داخلي ... وعيناي لا ترى سوى خيال مبتعد نحو الافق الوردي ... ودون سابق معرفة معها ... قفزت عفريتة تسألني ... هل تعرفها ؟؟
.... فاجبت بخطوتين راقصتين ... هل هي تعرفني ؟؟؟ ...وربما وقع الاجابة عليها اخفاها من امامي ...فلم اعد ارى سوى صوت كعبها مبتعدا ...
وكأس خمر كنت اشربه ... يعاقرني ... وحل العماء بعدها



ثمة لاشيء الّاي هنا ما

...
...........
تجلس خلف الستار ...وترقّص الدمى ...تحركها ..وتقول على لسانها ما تريد ...فكل لحظة تعيشها هي حكاية لها حبكتها وذروتها ..بدئها وخاتمتها ....لم تختر ان تحكيها ...بل هي تحكيك ...تضعك على طريقها وتبدأ معها رحلتك ...
وغالبا لا تستيقظ منها وتعرف انها حكاية يقولها الحدث عنك وعلى لسانك ...الا بعد عودتك منها ...مهشما ...او فرحا ...
حزينا ...او طائر من فرط سعادتك ...
تستلقي على فراشك ..//كرسيك//...مكانك الذي سمي قهرا ...خاص بك ...وتعيد تفاصيل الحكاية ...
فتبدأ ضحكاتك بالانبلاج ...اوحزنك ..بالظهور .....
حزين انت في تلك الخلوة الاختيارية مع ذاتك ...وتبدأ سياط الالم بجلدك ...

فانهض وارقص على ايقاع عفريتك ...فربما تنسى ...


ثمة احمل عفاريتك واتبعني ما

* * *
طاولة مستطيلة الشكل ...ملتصق بها الكثير من الكراسي الفارغة ...حيث لا يوجد مسافة بين كرسي واخر ..// لا حرمة لها //...وعلى احد رؤوس الطاولة وقف قزم...وموسيقى صاخبة تضج بالمكان ...//كمنجات وطبول تعزف لحنا/ضجيجا...رتيبا ,,,,
ويبدأ القزم بطرح المخطط الموضوع تحت التنفيذ بعد هذا الاجتماع مباشرة ...
احد الكراسي يرفع احد اقدامه ليعلن عن رايه ...فيبوبخه القزم ليصمت ....فيعود الصمت الى المكان ...ويصمت القزم فرحا بانتصاره ...وتستمر الموسيقى برتابتها معلنة بدء مرحلة التنفيذ ....

عندها ....ترسم لحنك الخاص بك على وقع ضجيج/موسيقى القزم ....فيخرج عفريتك....
وتبدأ بالرقص ...


ثمة ما بين عفريت وعفريت ...يسقط احد الاقزام ما

* * *


اليوم ...وعلى غير عادة ...استبقت الحدث ...والفكرة ...والعفاريت ...وبدات الرقص على ايقاع نفسي ...
وتحصنت ضد اي حزن ...ببضع ابتسامات صفراء كالسل ...
دخلت امي على ضجيج صراخي ....وبدت مذهولة كأنها رأت عفريتا ...وبدات بالبسملات والمعوذات ...والحمد على نعمه ...
فقفز احد عفاريتي ليسحبها من يدها ويشاركنا لتشاركنا الرقص ... فتحولت نظراتها المندهشة الى فرحة غامضة ...وبدات خطواتها بالانتظام مع خطواتي ...فاندمجنا سوية ...
ثم نادت من في البيت ....وتواصل الذهول ...وتفرق العفاريت ليمسك كل منهم بيد ....واستمر الرقص .. حتى سقطت العفاريت مغشيا عليها ...
من فرط الايقاع ....



ثمة عفاريت للرقص ما

* * *

بعد حفلة راقصة حد الهذيان من حفنة من عفاريتي .. استندت على كتفها اطلب الراحة ....
فانهارت بي بقدماي .... وعندما استطعت الوقوف مرة اخرى ... ضاع كتفها ....
فاستأنفت الرقص على ايقاع عفريت عجوز ....يحاول الموت باكرا ....
حتى لا يفوته الموعد مع حبيبته ...هناك .... حيث اللاشيء ,,,,




ثمة واستمر ..ريثما اجد كتفا يريحني ..ما

* * *

اليوم وعلى غير العادة ...اجتمعت العفاريت في صدر البيت واصدرت امرا بايقافي عن الرقص ....
والتهمة ...الرقص على حدود الالم ..!!
فاستأنفت القرار ...محاولا شرح وجه نظري ....فتم وضع غمامة على عيني ...وطلب كبيرهم ان اكرر وجهة نظري دون ان ارى شيئا ....
فما كان من العفاريت حينها ...الا البدء بالرقص على حدود الظلام امام عيني ....
وضاربا بعرض الحائط قرارهم ...ودون نظر لوجه النظر ....استانفت الرقص على حد العماء ...


ثمة ضياء وقليل من العفاريت شاركتني ما

* * *

الأحد، 15 فبراير 2009

انتقال …وضياع اخر ….

انتقال …وضياع اخر ….


………يبتعد …يتواري …صمت …غيوم تنقشع …وضوح نسبي في الخطة …سأرتدي ملابسي واذهب …يجب ان يبدو التوتر علي عندما اقابلها …يجب ان اكون صارما لتفهم ان الدورة هي الامر الحاسم لكل ما بيننا ولن اوضح لها شيئا …لان الامور ليست بحاجة الى توضيح …كل شيء واضح كعين الشمس …أما اذا كانت تستهبل …فليس عليّ انا …وان كانت غبية فإلى الجحيم ……يجفف جسمه بالمنشفة تضايقه رائحتها …يبعدها …يقذفها بعيدا نحو السرير …ويتوجه الى المغسلة …المرآة …ينفل شعره وينشفه بأصابع يده …يعود ليرتدي قميصه المقلم ثم بنطلونه الجينز …..يدخل الزر في العروة فوق السحاب …يمرر يديه على فخذيه من الامام ومن الخلف …يتجه الى النافذة …السفر جميل بلا شك …ودوافعه لديك قوية …لكن ان تنتزع من المكان انتزاعا فهذا من القسوة بمكان …من الذي ينتزعك …؟؟ لماذا ينتابك هذا الاحساس الجازم ؟؟ ترى ذلك ولا تدري السبب …او ربما تدريه …أهو السفر ؟؟ تحلم بسفرة واحدة والى الابد …ولكن الى فلسطين …جنة الارض …طريق السماء …امتحان الخلد …حلم اصبح جزءا منك .؟…فاذا ابتعدت عنه تغرق في الحنين …ثمة افكار جميلة كنت استذكرها …
ماذا ؟؟!……………
آه …كان لي ان اشهد انقاض الدامور والنبطية وصور وصيدا …وتفاصيل الجنوب …ان اشهد على المفارقة …نزلنا من البوريفاج …فندق فاخر …الله الله …وفي الطابق السابع تحديدا …المشهد من الشرفة جزء من الجنة …يشرح الصدر ..والهواء ينعش القلب …لطيف جدا …الصبايا الحور في المايوهات تتمغط حول بركة السباحة ..فتشلع القلب …في الدامور …سألت عجوزا عن اهم ما رأى فقال : شهيدا ظل يمشي …يقاتل مغسولا بدمائه …بعد ان تخردق جسده بالرصاص …الى ان سقط …مسافة كبيرة ظل يسير بعد ان دخل الرصاص جسده …في الشياح ..شباب يعرضون لوحات فنية لكنهم يحاولون نيل اي تشجيع او مفتاح لطريق يفضي الى ابواب طموحاتهم …في ازقة المخيمات …حياة تقاوم العدم بنفس اخير …الاطفال يلعبون بالقذائف التي افرغت حامض بطنها فوق رؤوسهم …لم اصدق حدة المفارقة …اين هذا من اجواء الفندق …اين هذا من اجواء مكاتب الثوار الكسبة : سلالم من رخام تنزل تحت …نحو جدران رخامية تحيط بمكاتب فخمة حد الغيظ …كراسي مخملية هزازة ناعمة تشبه العروش …يترهل عليها القياديون الاشاوس …هواء بارد ومقاعد جلدية فاخرة للضيوف …حيث جلسنا بعد الترحيب الحار ….قريبين من عناصر قيادية في طريق النضال …تتعالى ضحكاتنا …ثم جاؤو بشخصية بديعة …هو مقاتل اصابت يده شظية فربطها بالخرق البيضاء واستمر يمتهن القتال او اللاشيء في بيروت …خفيف الظل سريع البديهة يتكلم فيضحكون …تساعد صراحته سرعة بديهته …تحدث عن تفاصيل الاصابة وملابساتها واجاب عن الاسئلةوالملاحظات فأحسست بالتبجح والمزايدة حتى قلت له :
- هل تسمح لي بسؤال من فضلك ؟؟
قال بترحيب شديد :
- تفضل
قلت :
-ماذا تتمنى لابنك ان يكون في المستقبل ؟؟
قال بتردد شديد:
- (( والل…لله …مادا كسرة الهاء …مانحا نفسه فرصى التفكير …ازا طلع شاطر ..بيدخل الجامعة …وتردد ثانية ثم آيس : وازا طلع حمار ! بدو يكون فدائي …)) وغطى حديثه بضحكة عالية كصهيل حصان …فتجاوب الجميع وقهقه عاليا ….

أما انا فقد نال مني الالم اذ وضعت يدي على احد القروح المتورمة ..ولم يكن بوسع رئيس الوفد الا ان يكظم غيظه …فليس من حقي ان اسال !!هذا ما قاله لي بعد ان خرجنا من هناك …
- سؤالك ابعدنا عن الموضوع …قال لي
- السنا نبحث عن الحقيقة ! ها هي …فلماذا لا نظهرها كما هي …؟؟ الى متى تريدون ان تبقى اجوبة الشعب على اسئلتكم مفصلة على مقاسات مقاعدكم ومراكزكم والقابكم واغراضكم ؟؟الى متى سنظل ندير وجوهنا عن الحقيقة او صورتها ؟؟ الى متى سنظل ندفن رؤوسنا بالرمل فنرى الهزائم انتصارات …
- هووووووووووه …صرخ ومضى …
-اعلم ان ذلك ما كان منطلقه الاول واجزم انه كان بطلا …ولكنهم اوصلوه الى هذا الموقع …أما افتتنتم بصراحته !فلماذا لا تنقلون هذا الافتتان الى مشاهد العمل المسرحي الذي كان سبب زيارتنا لبيروت …!! خوفا من يصبح بطلا فتضيع منكم بطولاتكم !……

يا الله …كيف يفهمني من صحوت عليه في الغرفة ليلة امس يمد يده الى هذا الصندوق الخشبي الذي لا ادري بالضبط ماذا يسمونه …الكوميدينو؟؟ يعلث بأغراضي الخاصة ….اوراقي واسراري …فيعثر على دفتر ملاحظاتي ويقرأ ما به من ملاحظات واسرار …وعندما شعرت بذلك …تململت لانهض وارى الذي يجري …فأعاده بيد خفيفة كيد نشال الة مكانه موحيا بأن ليس معه خبر …كيف يفهمني ؟؟….

في الجنوب رأينا المستحيل : اليهود على مرمى النظر ..قريبون جدا وهنا تقف مجموعة من الشباب وثمة عدد قليل من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة …يقلقك السؤال حتى ترميه عليهم :
- فيما لو اراد اليهود الدخول الى هنا فما الذي يمنعهم ؟
بسرعة ويقين اجاب واحد من الشباب :
- لا شيء …أردف آخر :
-ولكننا لن نخلي مواقعنا …سنعمل ما يمكننا عمله …لا يمكن ان لا نعمل شيئا …مهما كان من امر الحقيقة …لا …لا يمكن ان نغادر …انه الواقع الذي لا مفر منه ..
- العدو امامكم والبحر وراءكم !
-نعم هكذا بالضبط …

في صور يتحدث القادة عن الانتصارات …في صبرا …اشتهي الطفولة مع الاطفال الذين يروون لنا قصص النضال الغريبة …الواقعية / الخيالية …ارى الاساطير تتجسد ..والعن القيادات وجميع اولاد القحبة الذين لم يجيبوا على سؤال النّواب …

ورغم الحمراء ومحلات النيفوتيه التي اشتريت منها الجينز وغيره ..ورغم اللهجة الناعمة للبائعات هناك الا انني خرجت من لبنان ..وفيّ صدى الاغنيات التي كان ينشدها الاطفال في صبرا …ومرايا اللوحات التي شاهدتها هناك ………..تأخرت .

يضرب لا شعوريا يده بالجدار وينفض رأسه مرة اخرى ليتناسق الشعر …فتسقط الافكار …يتسرب الالم …يبصق بحقد في المرآة …يبتعد .. يبحث عن جورب يرتديه ..يجد واحدا نظيفا …يدخل فيه ..يذهب للحذاء الفاتح فمه …فيدس قدمه في فيه …
يلملم بعض الاوراق ..
يتجه نحو الباب بسرعة ..يمسكه بيده ويستدير للخلف …احس انني لابد نسيت شيئا ..لا اتذكر : إن ثمة شيئا فالمسافة قريبة …يغلق الباب …ويأخذ المفتاح ثم ينزل …تنزل الجدران معه ..تقترب ..تبتعد …يأتي الدرج ..ينطوي تحت قدميه كالبساط … الشارع الفرعي
النور هنا اكثر ضياء..ولكن لا مجال في نفوسنا للاستمتاع ببهجة النهار الجديد …هموم تعمي البصر …الشارع الرئيسي …السيرات المسعورة ..الحافلات سلاحف …يقطع الشارع …تواجهه مكتبة …تقع عينه على بعض العناوين : اصل الانواع …لامذكرات …عندي …المرأة في الثورة …ملحمة جلجامش …تاريخ فلسطين الحيث …السينما الفلسطينية …اجاثا كريستي ….نجيب محفوظ ..كتب قيمة …ثروة ..يتحرك…يتابع السير …المقهى الهاديء العريق …هنا يمكن للمرء ان يشرب القهوة كما تعودها …وهنا يمكن للمرء ان يصطحب صديقته …لكن بالنسبة اليها ما كان في ذلك مشكلة …فكم رافقتني الجلوس في مقاه شعبية جدا …دون ان يكون في المكان من انثى غيرها …حتى في عز الليل كان يحصل …وهذا ما زاد من تعلقي بها …لكنها كانت غريبة يوم امس …فلأشرب من البحر …الم اشرب من البحر …شربته بعدها حتى انطرحت …وهذا التيبس رغم الحمام ورغم النشاط الاجباري إن هو الا من نتائج شرب البحر …الامس خمر واليوم أمر …سنرى كيف لهذا اليوم ان ينتهي …(( اللص والكلاب )) علامة في السينما العربية …لا عجب ..فهي قصة نجيب محفوظ وتمثيل شكري سرحان …بدّع ..خصوصا عندما لفظ كلمة : لكلاب ! مشيرا برأسه اليهم …بتورية اظهرت مرماها الحقيقي …لكنها دار سينما رديئة …تشوه الجميل …ولا تهتم الا بابتزاز البسطاء …شعبية …تعودنا! …نسمي كل ما هو ردئ ورخيص وناقص ومغشوش شعبيا …ونغني للثورات الشعبية …شكري سرحان يؤدي بجدارة …القصة انعكاس فني ناضج للصراع الخفي …وطاقة رمزية عالية تمنح الكلمات معناها الحقيقي …إطار نظارات جميل , لكن هذا المحل غال …اللص ,الكلاب …لا تقف عند السطح …اذهب الى الاعماق لتكشف ما وراء الكلمات …البنية العميقة للكلمات …فالجمل ….هم الكلاب …هو الانسان …
طريق الجسر ….يتقاطع الناس على الجسر …يتداخلون وينفصلون كما لوكانوا جمادات تتحرك …كواكب سيارة …الاصل ان لا تبدي انفعالا …تجاه اي شخص .الا اذا كان ثمة معرفة …بروتوكول الحياة المعاصرة …في زمن البراءة كان الناس في البلاد يستعدون للتعرف على كل من يمر بهم …يصادقونه طالما انه انسان …يحملون همه ويبتهجون لفرحه …أما من صيغة تقرب الناس المتقاطعين عبر الطريق اكثر ؟؟لتعيدهم الى انسانيتهم ..القرى تنبض بالانسانية بينما المدن تلهث في السباق الحضاري … دون ان تعرف متى تصل ..يتسابقون مسافات طويلة ..طويلة جدا …مسافات الحياة …لينالوا وقودهم …طاقة تشغيلهم …ليرقصوا على ارواحهم : انهم يقتلون الجياد اليس كذلك ؟؟؟ بلى , طاقات رهيبة تهدر ..كامنة كما الكهرباء قبل اديسون ..كما الارض العربية الخصبة غير المستثمرة ليظل القمح يأتي من امريكا …يلبسون سموكن وربطات عنق …يلبسن كما في الغرب …آخر الموضات …الصرعات …قوالب مصممة بمقاييس الغرب مانيكانات …ثبتت الصيغ المقبولة لمخاطبة الاخر / النقيض ..قسّم الوقت لكي لا يظل الا هامش بسيط للطقس الانساني …..طاقة محتقنة كدمل …نوع آخر …الأهم : اجتماعي ,طاقة اجتماعية مذهلة يمكن ان تنفجر فتفجر ابداعا وفرحا …وتضع حدا لهذا الكبت وهذا الحزن المعتق وهذه الغربة الطويلة …ولكن كيف ؟؟
مادام هذا الطيب يعرفني وقد نسيت من هو …يتواصل معي وانا سابح بأفكاري أبحث عنه …فأبدو اليه كالمترفع …
- شكرا فرصة ثانية
- ؟؟
يمد يده :
- طيب مع السلامة خلينا نشوفك …

ثقة عالية بالمعرفة تعفيه من تقديم نفسه وتذكيري بشخصيته ..معرفة قوية هي اذا ؟؟! لو استفسرت سيكون احراجا …وهو لم يلاحظ قلقي …تمكنت من تمويه النسيان …سأعرف فيما بعد …ولكن , ماذا لو كان مطلوبا مني تصرف افضل ..وحوار اعمق .باتجاه ما له خصوصية بيننا .؟؟! واسئلة اخرى كاستفسارات عن معارف مشتركين مثلا …؟؟

انا عارف ؟!
يسير قليلا حاملا صورتها مفكرا بما جرى وبالذي سوف يجري..يقف لينظر للخلف …لا تظهر في المدى المنظور …هل صارت هناك ؟؟ أم أنها لم تأت بعد ؟؟ أغلب الظن أنها لم تأت بعد …
يواصل السير .. كانت تبدي اتزانا رهيبا وتجاوبا مع حريتها شديدا ….قلب كبير كانت …حكيت لها قصة سليم …الصديق الوفي الذي ما أن رآني اتعذب في حيرتي تجاه فتاة بدأ حبها يغزو قلبي حتى نصحني يقطع العلاقة فأريح بالي ..((اقطعه حصرما )) قال سليم …لماذا ؟؟هل تعلمين لماذا ؟؟ ليرتب اموره قيقطفها عنبا ناضجا شهيا …وقد حصل ذلك فعلا ..ولم افكر بذلك قط …ما دارت لي قط …لأنني ما اخذت بنصيحته إلا بحسن النية …ولم اعرف مما كان يرسم عليه شيئل على الاطلاق …الا عندما دعاني لقراءة فاتحتها في اتحاد الطلاب …حتى سقط قلبي في قدمي ظانا لوهلة أنها ماتت …فقبضت على ذراعه مفجوعا ..لكن ملامحه المبتهجة غيرتني …وادركت كل شيء : قال : سنكتب الكتاب عصر اليوم ….هكذا نجح في التدبير : فاتحها بالزواج اول مرة …فقالت له / هل اخبرت كنعان ؟؟ فقال لا …فقالت قبل اعطائه جوابا : أخبره …ولم يخبرني الا بعد ان مضى وقت طويل …كنت بذلك قد قطعته حصرما ورميته …أغاظني كثيرا حس المخاتلة والتآمر من اقرب صديق إلي ..لزمتني الصرخة التاريخية : (( حتى انت يا بروتس )) …

رويت الحكاية لها عرضا قتورطت …صارت تحلل كل حديث يدور حول هذا الموضوع …وان مررت على ذكره عرضا …انني ما زلت احبها …حتى اتعبتني ..آه كم اتعبتني …هنا حضرنا معا (( الجندي الازرق )) اثرت بها شخية البطلة في الفيلم بجانبها الانساني والانثوي : ثمة تفاصيل تخص المرأة لا تدرك اهميتها الا المرأة …قال واوضحت : هل رأيت كيف يمكن للمرأة ان تهتم بأمورها الخاصة حتى في الظروف الصعبة …وتعمل بفكرة بسيطة من خرقة حمراء مستطيلة بعد ان تثقبها من وسطها لتدخل رأسها وتجعلها تنسدل على جسمها رداءا مريحا ثم تربط وسطها بشريط قماش /زنار ..فإذا هي عارضة ازياء تنافس نينا ريتشي …قرنفلة …ركزت كثيرا على هذا المشهد بينما احتل ذهني مشهد البطلة وهي تحمل الطفل وتبكي فوق الدمار …ثم جنون البطل الغريب … الجندي الازرق …ناهيك عن مشاهد الخراب التي ابدعها الاميركيون للقضاء على الهنود الحمر …
هنا اكلنا وتحدثنا عن الحب …في هذا المقهى الشعبي شربنا الشاي واقفين …وهي معنا الفتاة الوحيدة بينما لا تجرؤ اي فتاة على الاقتراب من كهذا بين الرجال …
- مواقف الرجال تتغير بتغير مواقف النساء …قالت بعد ان زارتني في السكن مرة ولم تجدني فانتظرتني في الندوة ( حجرة الاستقبال ) التي يكتظ بها النزلاء الرجال / الشبيحة ..بلا نساء عادة …بلا جنس لطيف …فيظل الجو خاليا مما يلطفه …ويعبر الشباب عن كبتهم بوسائل شتى : التهريج والالفاظ الاباحية ..التحديق بكل من يدخل ويخرج علّ العيون تقع على وجه فاتن …او ساق مغرية او صدر مثير ..فتتحرك داخلهم المياه الآسنة …ويلمسون بوجدانهم ملامح الجمال ..وتهر في المدى زهرة تفاؤل …وقالت :
- عندما سألت عنك ولم اجدك قال لي الشاب الذي يقف خلف الكاونتر : سيأتي بعد قليل …ثم قال بخبث : تفضلي يمكنك انتظاره اذا احببت ! وكلن الشباب في الندوة يبصبصون بعيون فضولية جدا وربما تغامزو فيما بينهم بغرض ارسال شيفرات المعاكسة ..ولكني سلمت عليهم ببساطة ودخلت …
يقطع الشارع بينما هو مستغرق .:
…فغيروا من طريقة جلوسهم …وحسنوا ملامحهم …وهذبوا الفاظهم …وسألتهم عما ورد في التلفزيون قبل قليل ولم انتبه له !…فأجابوني بأدب جم …وتابعت الحديث معهم انطلاقا من هذه الفاتحة …فالرجال يهاجمون النساء طالما كان هناك حواجز …وهذا طبيعي فالمرأة بالنسبة اليهم بهذه الحال كائن غامض …طرف آخر …بعيد …يرفضهم …ويشكل عندهم عقدة …
هكذا كانت تقول دائما …
-… أما عندما تكون المرأة صديقة للرجل فمن التناقض ان يعاكسها …إذ يزول السبب …عندما تكون قريبة يستطيع ان يقول لها ما يريد دون مواربة …وتستطيع ان تبدي رايها بصراحة ووضوح …يمكنه ان لم يكن ثمة شيء ضروري للحديث سوى الافتتان بها ان يغازلها او يعبر لها عن اعجابه …وعند ذلك تنتهي الازمة …
هكذا كانت تقول دائما …ولكن ….ينسحب وجهها للخلف …يبتعد …الاستعلامات …يدخل يسلم على الشباب ويتابع سيره …تعود بكاملها الى وعيه ….يوجه نظرة الى الكافتيريا …:
…يجب ان لا اسأل عنها مباشرة ..بل سأمر كانني اريد ان اشرب شيئا …فإن كانت هناك تصنعت تجاهلها …وان لم تكن اذهب لانهي بعض الامور المتعلقة بسفري …مواربة …نعم …لكنها هي التي اقامت الحواجز يوم امس ….هي المسؤولة عن ذلك …وما علي الا ان اتتحمل مسؤوليتي اتجاه الفلسطيني القادم الذي قررنا حمايته باي ثمن بعد ان ذبحوه في كل مكان …في اليونان …في فلسطين ..في لبنان…الخ .

الكافتيريا على بعد خطوة …شفافية الزجاج رائعة من وقت آخر …وقت تأمل بلا توتر …يعبر متعاكسا مع اخرين يخرجون …يتعالى فجاة ضجيج : هرج ومرج ..اصوت : مذياع ومناداة …يمسح المكان عينيه …لا ليست هنا …قد تكون جاءت وذهبت الى قسمهم …لن اتصل بها …يسلم على بضعة زملاء بالكافتيريا …مجاملات بمستويات مختلفة حسب العلاقة …يسأل عن شخص غير موجود ليبرر عودته الى الكافتيريا …..في الممر ايضا يعمل في رد التحيات او الرد عليها …يذهب الى القسم …ربما تكون قد اتت …الافضل ان اصادفها في الممر قبل ان تصعد الى قسمها …وياخذني الوقت …سأفجر لها الدمل وامضي …..
ينظر من نوافذ الممر …يلمحها قادمة عبر الطريق …يسرع الخطى …ينزل السلم …يمر عبر الواجهات الزجاجية …ثم يخرج الى الساحة …يلمحها …ها هي ..بلحمها وشحمها …قادمة بكامل اناقتها كما في كل صباح..لكني في هذا الصباح مكشوف البصيرة ..فأميز بين الزيف والحقيقة …بين القناع الجميل والجمال الحقيقي …ها هي تقترب …لن اقول صباح الخير …
تقول :
- صباح الخير .
أي خير ؟! يا الهي …تبادر بالتحية وتبتسم كالعادة ..وكأن شيئا لم يكن …
يردح لها بهمس وتكليف :
- لم التكليف ! لست بحاجة لان تقولي صباح الخير …قولي فقط ان كانت الدورة اتت ام لا ؟
- لا …الدورة لم تأت…ولكنك منفعل بطريقة غريبة ….ما الامر ؟ ما بك ؟
يتوغل في الردح :
-غاااااااريييييييب ؟! وتستهجني امري !هذا والله عجيب ..على كل حال …ورغم حواسي فإنه ليس امامي الا افتراض حسن النية…فإذا اردت البحث في مشكلتنا ..فأنا في الكافتيريا انتظر
- حسنا …ساصل القسم واعود …
انشطرا باتجاهين وسال دم كثير ….

*****************************************
قال لها :
- يكفي …لا اعتقد انه ظل بيننا شيء سوى ان تأتي الدورة او يأتي الجنين …فأعرف رأسي من قدمي …وما علي سوى ان اعلن الان هنا …عن استعدادي الكامل لتحمل مسؤولية خطيئتي …

تتناوب على صفحة وجهها الوان الطيف …: احمر ابيض ..اصفر يخطف …ازرق يذوب …الجزء المكشوف من صدرها يشق الظلام كشمعة محايدة …ابيض كخد الورد …يسقط نظرة على الجزء الفاصل بين النهدين …لكنه يعمد لأن يشتته عن كل عوامل الاغراء …قالت :
- خطيئتك …؟! تنهدت …ثم تابعت :
….هي مشكلتي على اية حال …وهذا فقط ما يؤلمني عندما افكر في الفارق بين الرجل والمرأة … الفارق البيولوجي …اطمئن …لن تتحمل اية مسؤولية …ولن تعاقب على خطيئتك …انا اتحمل مسؤوليتي اتجاه عواطفي ومشاعري واجتهادي وتصرفاتي كما تجاه جنسي ونوعي وجسدي …وبالتالي ما يولد مني فهو مني واليّ وعليّ تقع كامل المسؤولية فأرح بالك ….لكن الذي يثير فضولي بشكل كبير هو امرك هذا …قلي لي بالله عليك …ما الذي جرى لك حتى صرت بهذا الانفعال وهذا المنظر ؟؟؟؟
- عندما كان شيء ما يثيرك او يزعجك …ما كنت لتعطي فرصة للحديث …ولا تلمحي باي شيء …بانفعال او بغير انفعال …فيكبر اللغز عندي …وكان كل ما تتكرمين به لإظهار تأثرك مما لا اعلم ما هو : هو ان تحرميني من! ..من !…من تحيتك ….حتى صباح الخير ما كنت تقولينها …وتقاطعين بغموض سادي ….
قالت بمسايرة وتعقل شديد :
- فإذا كنت غبية لحظة او بضع لحظات …أفلا ينبغي ان تكون انضج مني ولو قليلا …فلا تتصرف برد الفعل او بالمثل حين ترى انني كنت بذلك اخطئ فلا تقع بالخطأ ….أو ليس من الافضل ان تتصرف دون الرجوع الى تصرفاتي التي اعترفت لك اكثر من مرة انها سخيفة …! ماذا تريد اكثر من ذلك ؟
- لا اريد شيئا …اريد فقط ان ابلغك انني قررت الان بعد ان علمت ان امر الدورة ظل غامضا …ان أؤجل سفري ريثما تظهر اي نتيجة …
قالت مقاطعة :
- لا يا سيدي …تستطيع ان تسافر ,….فانا ما تصرفت شيئا الا بإرادتي وقناعتي التامة ….وقد كان حبا …فإذا تبينت وهمه ,…وصرت تراه خطيئة ..فأنا على قدر المسؤولية …وعليّوحدي تقع …قاطعها بحدة :
مسؤوليتي ! مسؤوليتي ! هل تودين اصابتي بالضرب على هذا الوتر ؟! نقطة ضعفي ! لن تؤثري عليّ بهذا الترفع …هل فهمت ؟
- ……….
-هل تصرين على ما تقولين …اذا استنفذت التفكير ؟
قالت بتماسك شديد وكبرياء محترم :
- نعم …بكل تاكيد
- إذا وداعا …قال ونهض ليغادر الكافتيريا اللعينة …تلاحق عينيه ضربات فرشاة لفنان مجنون غمسها باللون الرمادي …ومسح بها الكون …ومسخ بها الكون ….

فرح الخناشير / الشبيحة …آه ابو الشباب…! كانوا يترصدون فرصة تلوح لتبتعد فيحتلو مكانك …ركضوا بخطى بطيئة لكي لا يلفتوا الانتباه الى طيشهم …سيتحدثون …لا بد …عن التحرر …ذوي العيون الجائعة دوما ولا تشبع …متصنعين الوعي والثقافة …بينما يزرعون نظراتهم في الاخدود الخصب الذي يفصل بين نهدين بضين وسوف …لا بد …يحلمون بالليل الاحمر …وسوف تحلم هي بالدموع التي تلح عليها لتنزل …لكنها تحبسها حيث لا بد ان تتصنع الفرح والابتسام ..ولن يحس بها احد …وسوف تتيبس دموعها ..او تظل بانتظار الفرصة العظيمة للانهمار …لكن الارض لن تتمكن من حمل ألمها عند ذلك ……

لكني رغم ذلك ..ومهما كلف الامر لن اكون الباديء في استعادة العلاقة …او حتى المبادر في اقتراح حوار تفاهم …مادام ردها كان كذلك …لكنها لا بد وان تتصل …حتما ………
يسير بانفعال …يبدو ان الناس لا يعرفون ان القيامة قد قامت …لا يرى الا سوادا …
وصل الى السكن …
- هل سال عني احد ؟؟
اجابه الحارس بأن لا …فقال :
- الم يطلبني احد بالهاتف ؟؟
فقال بإصرار :
- لااااااااا
صعد السلم ..لماذا اتصرف كما لو كنت اغادر للابد ؟؟ثم عاد …يفكر …يقترب من الهاتف ..ثم يبتعد …ثم يقترب …

………………………
…………………..
- الو ….
سمع صوتها متحشرجا …متماسكا …حزينا …مخذولا …مرهقا …
-أأأأأ…نعم ؟!…
-…هل ترغبين بمعرفة سبب توتري الشديد …على افتراض انك حائرة فعلا …وانك تجهلين ما بدر عن حسن نية او عن سوئها ..؟؟ هل تودين رؤية صورتك بالمرآة ؟؟
قالت :
- لا ..لا اعتقد ان هناك ضرورة لشيء فقد باتت الامور واضحة بما فيه الكفاية …مع السلامة ..تك

صفعة اخرى ..صحتان وعافية …فأنت تستأهل كل خير …
وفوق ذلك …تنهين المكالمة من جانبك …حسنا ..اللهم اشهد ..مع السلامة …وضع السماعة وتاه في المدينة العريقة..يلملم ما تبقى له من زاد السفر …يدور في فلكها وحيدا وحيدا …

اي شي ظل عليه ان لا ينساه ؟ اي شيء ظل عليه ان يأخذه قبل ان يغادر مدينة الحزن ؟؟عليه ان يوسع ذاكرته لتستوعب اشعارا غير صالحة للنشر وقصصا مستحيلة ..وطعم القبل ..هذا يكفي .

هل اقول وداعا ؟؟ وهذه الفتاة ربة العشق والحيرة …ماذا يدور باحشائها …؟؟ لمذا تمد الليالي وتضخم اللغز ؟؟ ليستهلكنا الوقت …لماذا ؟ ..لتغلب شهرزاد ؟؟ ان كيدكن عظيم …وانت مسكين …مسكين يا شهريار …حيلة صغيرة انطلت عليك …انه لغز الوقت …الوقت مادة اساسية في مركب الحياة والموت …كل النساء …استعراض للوجوه التي يعرفها …يتألق بينها وجه اميرة …كل النساء …يطفحن بالخبث ويبدعن زرع القلق في رؤوس الرجال …وجه مريم …كلهن …حتى هذه المثقفة جدا ..قارئة ( الجحيم ) يجب عليها هي ان تقرأ الجحيم ..حتى تعتبر .. يجب ان تقرأ الجحيم ..ظلت تلح علي …لانها وجدت موقفا يعري حقيقة الرجل ببعد الواحد : ظل يقول لها انت كل شيء …انت كل شيء …وخصوصا عندما كان يرتجف بحضنها …كان يقول لها بإيمان حقيقي …انت كل شيء ولكنه قال لها بعد ان انتهى من شيء ..انت لا شيء ..يجب ان تقرأها ..سأوفر لك نسخة ..الا اميرة ؟؟اميرة ..حبي انا ؟؟ ابة افراح منحتها لقلبه الحزين …أية ارتعاشات وهبتها قبلاتها لزهرة عمره الذابلة فأنعشتها …في الطرق الطويلة والحدائق العامة …في الشمس الثقيلة كالصخر وفي حجرة الطين المهترئة تلك ! ولكن كان لابد لكل شيء ان ينتهي …فلينته …ولكن ..الا من وداع ؟؟

- اميرة …حبي انا ” آه لو رايت هذا الفلم يا كنعان …قصتنا هي التي يحكيها بالزبط …وحياة عيونك بالزبط …وكأنك انت الذي كتبها …تسكن عند خاطر يأتيها بغتة …(( ..ليكون انت اللي كاتب القصة ! مو بعيدة والله …ها ؟ والله لوقلت انك انت لصدقتك ))
- يمكن …! ولكن فيلمنا ما انتهى بعد حتى نصوره للسينما …صح ؟
- غلط …لانه لا ينقصك الخيال فتؤلف ما تبقى من قصتنا ..ولكنك تنكر …ولكن …معقول ؟؟ الى هذا الحد ؟

ألا من وداع ؟ قبلة …اشارة باليد …كلمة عبر الخيط الرفيع …ماذا لو ركزت بدرجة عالية …هل اصل اليها عبر الطاقة المفترضة التي كنا نتحدث فيها كثيرا …الي اومن بوجودها كثيرا …لنأخذ الاولويات …مم يتكون الانسان …من مادة ؟؟ أم من ذاكرة وقلب ؟؟ شيء ما في الانسان الهي …جعله يخلق الاله …ويتجاوز المادة حتى في قمة وعيه لها …حتى في ديكارت …حتى في نيتشة ..حيوان جميل ..اجمل من الغزال …اجمل من الحجل …شيء ما هو لا مادي ولا مثالي بالمفهوم الفلسفي …ولا حتى طاقة …شيء ما يجعل هيجل يقول (( أن اسخف فكرة تمر بذهن الانسان افضل من كل هذه الطبيعة العسفية )) او كما قال …شيء ما متحرك ..مقدس على نحو مادي ..شيء ما لا ينتهي فيه كل شيء …او اي شيء ..يبقى ….ومع ذلك تتكاثر المسوخ حيث ساد الانحطاط …في حضرة الاله …أكل الجميع من وراء ظهر الجميع …من شجرة الشيطان ..ولما افاقوا حملوا السلاح بوجوه بعضهم بعضا …ليقتلوا جميع الالهة ويبقى الشيطان …

عبث …أهذه نسؤولية الانسان الي حملته اياها على الارض ايها الفيلسوف العظيم ؟؟ هو هو طاهر او مسخ …بسبب من دوافعه وصور من خيالاته …/ ادراكاته …يسعى للامام / يرتقي …ثم ينحط بالحرب ومص الدماء اكراما لله او تمردا عليه مسيس …منذ الاله الاول : القمر …وظل كذلك بعد أفول القمر وغياب الشمس …ورغم نتيشة وديكارت وماركس …. منذ اعطى الله الارض لنسل آدم …هذا الوجه قبيح ومع ذلك يمشي بثقة اعلى من ثقتي بنفسي انا صاحب الوجه الــ…… اي ملامح لوجهي ؟؟؟ مليح ام قبيح ..؟؟؟ هذه التساؤلات للنساء …هذه مثلا يهمها جدا ان تكون جميلة …وهي كذلك …ولذلك فهي شديدة الثقة بالنفس ايضا …قوام جميل …كلهم ينظرون …يلفون اعناقهم …بوقاحة …يؤشرون بها على درجة الكبت : كبت ميتر : 180 درجة = كبت كامل …السير برأس مقلوب أكمل ….وذلك حسب المسافة المقطوعة حتى الاصطدام بشخص او جدار او سيارة حتى الموت …حيث الكبت المطلق ….اقطع …السيارات تسير ببطء …يوسع خطوته على مداها ..تمر …تمام ..لا يلتفت للوراء …الكتب اياها على الرصيف ..من هنا اشتريت قصة حميدة نعنع ” الوطن في العينين ” كم فاجأتني …ففاجأت بها الفتى حسن …قرأناها معا في القطار …عندما جاء ليدرس هنا …آه لو يعود زمن الكرز …تلك كانت اللازمة …رفقة جميلة كانت ….لان من النادر ان تجد صديقا يتقارب احساسه بالظواهر من احساسك …حسن يكاد احساسه يتقارب …متفجر …ولكن الوقت في القطار لم يكن كافيا ..وكان الوقت ليلا والجو ماطرا قطع فيه التيار الكهربائي …اعتقدنا ان هذه واحدة اخرى من المؤامرات التي تستهدفنا …وتهدف الى بتر متعتنا العظيمة بالقراءة …وتفويت الفرصة على تحقيق هدفنا في الوصول الى نهاية الرواية / القصيدة ولكننا كنا اقوى …اذ بحثنا عن الشموع لنشتريها ونكمل قراءة الرواية في الفندق الذي نزلنا فيه على عجل دون ان يكون لنا شرط او جدال ….
يتنهد …يدور لليسار ويتابع سيره على الرصيف …وجوه تلتصق بنظرك ثم تغيب …رؤوس تدخل من خلفك الى امامك وتبتعد ولا تعرف الى اين تذهب …ولماذا تعرف .,…وما شانك انت ةما علاقتك بأي منها …واجهات من الزجاج لا علاقة لها بصدر ماريانا لوركا …” لو كان صدري من زجاج لرأيت دموع من الدم تتساقط على نافذته ” لمريم ربما علاقة …وجه مريم الحزين …وجه ماريانا بالخيال …متطابقان …طبعا وجوه الهة الحزن تتطابق …هذه ايضا حزينة …اقطع …تقطع …تقترب …رائحتها ندية …هاقلبها طري …لكن قلبي يهوي مفسحا اليها المكان …لما لا اشكو اليها العالم …اشكو اليها اطوار مريم الغريبة …يلتفت خلفه …تلتفت …وتعود فتدير وجهها ليس بحياد ..ولكنه لا يحمل اية رسالة ايضا …لم لا استطيع التحدث معها …هل انتهك عرضها لو طلبت منها التحدث ؟؟…قد لا تمانع …ولكنها تخاف من الحصار …حصار البشر المخيف …كلهم اعدائي ..دفشة …يهتز جسمه يختل توازنه …آي …عفوا …أي عفو ؟؟ واحدة بواحدة ..لكن صدمتك بهؤلاء لم تكن بهذه القوة …احمد ربك …على الاقل طلب منك العفو …غيره يصدمك ثم يزجرك بنظرة تسحقك …ماذا تريد ؟ بلط البحر ؟؟ كلهم اعداؤك ام كلهم احبابك …هذا الذي يسره الرب …وهذا طينك يا الله …ليس من هنا نشتري منّ السما …

لماذا اتخذت حياة الانسان في نهاية المطاف هذا الشكل …ركض ..ركض …ماهي الغاية النهائية من كل هذا ..انا عارف! صوت عبدالحليم يلعلع …استهلاك ..حتى الكلمات الجميلة تلفت …كالعلكة في الفم …هو العهر سيد الحياة القحبة …روائح ..ابواب …حديد ..المـ…نيوم ..الم,نيوم ..حلوة هذه …حد …يد …حد,ايد ..اللغة لعبة عبقرية ..مليئة بالطاقة ..ولكن من يستثمرها ..يا زلمة ليش متعب حالك ..ليش تحمل السلم بالعرض ..شو بدك ؟ هي الحياة كما هي …لن تكون افضل مما هي عليه ..ولن تكون اسوأ مما هي عليه ..هي الحياة يا ابن الحلال …ههههههههه..اما لغز المجتمع البشري فسيظل كذلك مهما كان من نضال ومهما كانت من خيانات ,البشر,غنم ,النخبة فقط ترتقي فوق ذلك بقليل …النخبة في التجارة ..النخبة في العلوم ..النخبة في الادارة .. النخبة في السلطة ..لكن الـ…يلعن ابوك شو مسرع !!! منظور للشارع الطويل سيارات …اسلاك كهرباء ..ابنية ترتفع ..تتلاقى في النهاية ..اسماء محلات كبيرة ..ابن الكلب ,طاير …ايه , آه , لكن الظروف تلعب دورا كبيرا في مساعدة هؤلاء ….اضافة طبعا الى تركيبتهم العقلية والنفسية و…و…, لكنهم يجروننا من اعناقنا بسلاسل غليظة …لها بريق ذهب يأتي من بعيد…ولا حيلة لنا الا ان نلهث ..سسس اخت هالحالة …مش معقول …لوكانت هنا لنتناقش …ذهني يغلي ..فيه طبيخ عجيب ..ماهو المطلوب مني اكثر من ذلك ..سسس اختها هي الثانية …اذا امبارح وصلنا الى كل شيء واتفقنا بوضوح سسسسسس……..

تقترب الحافلة حتى تغطي الفضاء …فليس امامنا الا الصعود او الصمود …باكيتات الحلاوة بالجبن هذه ثقيلة ..مزعجة …لكن غير موجودة الا هنا …الوالدة تحبهها ..تموت عليها …سيمحو فرحها كل التعب …الخيوط المتقاطعة تشد اصابعه للاسفل بقوة …تحفر فيها اخاديد حمراء ..كتل بشرية تلقم نفسها لوحش الحديد الهائل ..ببطء شديد جدا يصعدون …يلتصق لسانه في سقف حلقه ويجف ..يحس اصابعه تتقطع …يراقب الصاعدين امامه ..يسمع صوت الاقدام على عتبات الحافلة …يتحرك الطابور كالافعى ….وصوت الالة الاوتوماتيكية تقضم البطاقات …امامي اربعة , صوت ضحك الشباب المتفائل ….صوت الاسئلة والاجوبة …صوت ثرثرة الراكبين قبلنا …ثلاثة ..عيونهم تتابع الداخلين وترميهم بنظرات متقاربة لا معنى لها ..كما لوكانت ترشهم بخراطيم المياه …اثنان …لكنهم لا يبالون ..وانا اقاوم كل شيء بتيار الافكار هذا ..تيار عارم …كيف يمكن السيطرة عليه والاحتفاظ به في الذاكرة ليدون في الرواية بأمانة …واحد فقط ..وانا …ينظر نحو المقاعد علّه يجد مقعدا فارغا …
حبيب ..تحرك شوية …ملامح هذا السائق ولهجته ايضا نموذج لنمط ما …تدرك لأول وهلة جوانب كثيرة من شخصيته …حاد ..عصبي …يأخذ البطاقة ويجعلها بين اصابعه وبين خيطان الحلوى ,…ولكن الفن لا يحتاج للأمانة المطلقة بقدر ما يحتاج للإبداع …ولكنه يحتاج اليها …وفي التجربة الجديدة سوف تلغى كل المقاييس …وهل تنوي الغاء كل المقاييس …ولم لا ؟؟ من وضعها ,اصلا …..لا مقعد فارغ هنا! الى الورء …اربع مقاعد فارغة …المقاعد فارغة في الخلف …فلماذا يتراكمون في الامام …الكسل !! وهاهي المرأة موجودة هنا …فالمكان هنا اكثر شاعرية والتعب تبدد قبل ان تاكل امي الحلوى…وجه جميل مسروم على نافذة حافلة …الحب يسري في جسد الحياة …ماذا لو جلست بجانبها …سيبدو الامر غريبا ..ان تترك كل هذه المقاعد وتجلس بلصقها …قد تجرحك …الافضل ان تجلس في المقعد المقابل لها تماما …فتظل بذلك مسيطرا على ادارة النظرات المتبادلة ان كان ثمة تجاوب ……ضع حمولتك على الطرف هنا …جسمك ثلاثة ارباع الدورة …تزحزح بالجنب قرب النافذة …نعم هنا …إجلس …تلامس مؤخرته جلد الكرسي المهترئ …حرارة اعلى من المعتدلة بقليل …تلتقي النظرات بعفوية مرتبة …منه على الاقل …لا حماسة كبيرة عندها …مؤلم …ولكن بهذا لا ذنب لها …فالمسافة شاسعة …والاخلاق السائدة …تعلم ان الرجل في الشرق عدو المراة وهي تفعل كما يفعلن جميعا في البداية …الى ان تبدأ خيوط قصة ما تنسج …لن اعيرها اي انتباه …حتى لا تأخذ بنفسها مقلبا كبيرا ….طز …على ايش؟ …ربما كان هذا القالب فارغا …ربما نعم وربما لا …يقف الباص …يصعدون …ضجة …يتوالون تباعا الى هنا …يتحرك الباص …فتهتز ..يهتز الذين لم يجلسوا بعد بشكل اوضح من اهتزاز الجالسين …هذا يجلس بجانبها …رغم وجود مقاعد فارغة …تحتج بصمت …عدم الارتياح باد عليها ولكن لا …الانفاس محبوسة …لماذا تشغل نفسك بهذه الامور …هل ستكتب هذا …على العموم هو اكثر ثقة بنفسه منك …ثمة نقطة ضعف لا اهتدي الى طريقة للسيطرة عليها …يقيدني الجدل ..واشترط الاحترام المتبادل …ولكن الاخرين يتجاوزون ببساطة …لا يفكرون بالعواقب …لي مكانتي …ولكن الاخرين يبدون اكثر انسجاما مع المحيط مني …ميزان الموضوعية معلق برقبتي …يقيدني …احترم الاخر ولا تستهن به مهما كان ….لا تتعال …تواضع وما ادراك …فعلّ الاخر احق منك …مهما كان صغيرا …مهما كان جاهلا …افتح له المجال وامنحه حق التعبير كاملا …لكن الاخر لا يقيم وزنا لذلك …ولا يرى في الامر الا صراعا يتطلب مصادرة الاخر ..فالتعصب ..فالتآمر …فافتعال المعارك الجانبية حتى تغدو جوهرية …وما نفع ترديدك المستمر للعبارة الرومانسية التي ذبحت نفسك بها : قد اختلف معك في الرأي ولكني اضحي لأجعلك تقول كلمتك …فهم بالتالي اكثر معرفة بما يمكن ولا يمكن …حتى وان وصل الامر لأن يعتبر تجاوزا …يدي وجهه نحو النافذة …الضياء باهر …الاشياء التي نمر بها تأتي وتبتعد بسرعة …لا مجال لتأملها وقد يكون هذا حسنا …لأنها قد لا تكون جميلة عن قرب كما هي الان …لوحة حديثة تنتمي للمدرسة المستقبلية …
هيء نفسك للنزول في الموقف القادم …

عليك ان تسرع الى السكن لتأتب بحقائبك لكي لا تتاخر عن موعد السفر فتفوتك السيارة …هكذا انتهى كل شيء …الق نظرة الوداع على هذه المدينة …على تفاصيل هذا الشارع العريق …على البيوت العتيقة .,…القلب يدق مثل صوت عقرب الثواني ,.,,تيك تاك …تيك تاك …تتكرر موجة قنابل الصوت ومشاهد العناقات الودية …وداع مزيّن بالمجاملات البروتوكولية …عشرة ..فراق …فلا ضغائن ..قلوب بيضاء تماما …لا مآخذ …لا تحفظات …صافي يا لبن ..لا يحتمل الموقف …سوى تكثيف البعد الانساني …تروح وترجع بالسلامة ..اكتب لنا ..لا تنسى الاتصال …اذا احتجت شيئا فقط اتصل …

ودعت الجميع الاهي ..وتلك؟ اميرة؟ لماذا لم تحاول الاتصال بها …الوقت والازمة ,ولكن ؟ ما الذي ينبغي ان تفعله مع هذه المريم ؟ هل يطاوعها ان تدمر حبا وهي الشاهدة على زمن القتلة ؟؟كارثة ! ام انها تسحب عليّ افلاما …تلاعبا بأعصابي ..؟؟ ارى سيناريو لفيلم مصري قيد التنفيذ …تنتظرني فإذا لم آت …تحضر الي بالطفل المقدس ..وتقول هذا ابنك الحرام …هربت به بعد ان ظهر الحمل وتحملت معاناة الحمل والولادة ..فخذه …ماذا ستفعل بهذه الحالة …ستقول لها انت السبب …رأسك اليابس …عنادك ..كيدك العظيم ..لغزك المحير …صوت داخلي من الغيب ؟ أم خاطر ما ..غامض ..أمره بالالتفات ؟
هل سمع صوتا حقيقيا يناديه ؟ فالتفت :
هي ..كما هي …عادت من السراب بكامل صفائها وحزنها …
برق في مركز الفكر يكاد يكشف اللغز ..فرح بالانقاذ ..ليست وهما …تنطق :
- اين ؟
- الى السكن لآخذ حاجاتي واسافر …
- هل نتحدث ؟!
يفكر..لا وقت للمكابرة …او تسجيل المواقف …ولا وقت حتى للتفكير :
- لدي بعض الوقت للغداء ..فلنجد لنا مطعما نجلس فيه نتغدى …ونتحدث …
ترحب بالفكرة …ما ارحب صدرها …كرحابة صدر المحكمة التي تمنح المحكوم عليه بتدخين سيجارة قبل تنفيذ الاعدام ….
يسيران …تنظر اليه بابتسام …يفكر …من اين يتناول الموضوع حتى يفهم ويفهم …يدلفان الى اقرب مطعم شعبي في الشارع …جناح خاص للعائلات …
- تفضل …العائلات فوق ..
- ما رأيك ؟
- خلينا هون …لا اريد جناحا خاصا ..فلا عوائل غيرنا فوق …والجو هنا في مواجهة الشارع الطف …
- الا تخافين ان نتشاجر على باب الشارع ؟
- توكل على الله …لن نتشاجر ..
-تفضلو اينما تشاؤون …
- هون يا حبيب ..

بخرقة اسودت كثيرا بسب تكرار مسح الموائد البائسة وبوجه مغلق بسبب التعب والضجر ..مسح الشاب رث الثياب المائدة …وادار ظهره …فجلسنا …جاء رجل آخر وضع دورقا لا يغري منظره الظمان بشرب الماء …وراح …جاء ثالث فوضع سلة خبز واستل دفترا صغيرا وقلما وقال :
- شو بتحبو تتغدوا ؟
فقلنا معا :
- اي شيء
قال
- دجاج ؟ كباب ..
قلنا مع :
- كباب ..
واضفت :
- كيلو كباب ومقبلاتها …
وافقت …ليعتقنا الرجل صائحا بقائمة الطلبات التي ينتظرها الزبائن …
تنهدنا ونظر كل منا نحو الاخر …انا بانفعال وغضب وهي بابتسامة استرضاء :
- بعدك زعلان ؟
- انا مش زعلان ! انا مقهور …
- حيلك حيلك …
- قبل حيلي وميلي …اريد تفسيرا …
- يا سيدي …انا استغرب كيف تنفعل كل هذا الانفعال وانت تعرف مكانتك عندي …واستغرب لماذا لم تفكر بها ببساطة …انت تعرف الذين حولنا ..تعرف باسم …فبسبب معرفته بأخي نصب نفسه وصيا علي ..ونحن نستطيع التحكم بعواطفنا ومواراة مشاعر الحب الجياشة امامنا ..لنغرق بها بعد ذلك …
- لا …لا …لا …ارجوك هذا العذر توقعته …ومتى طلبت ان نفجر العواطف امامهم …وان نقيّض المشاعر …ماقهرني انك عاملتني بعداء ….
تقاطعه .:
- لااااااااااء ..مو لها الدرجة
- مو لها الدرجة ؟ فلماذا لم تعامليني بشكل عادي ..كأي منهم …
- خشيت وحياتك ان لا اسيطر على نفسي وان لا تمسك نفسك فنظهر شعوريا او لا شعوريا …ما بيننا من حب …اجتهدت ان نبقى بمنأى عن ملاحظاتهم ..لانهم متلهفون لمسك خيط يستخدمونه ضدي بعد ان تسافر …يبتزوني …يشهّرون بي ……
- ..كل هذا باطل ..لاننا اتفقنا قبل يوم واحد فقط ..اتذكرين ؟ اتفقنا بوضوح ان نكف عن الحذر وان نتصرف على سجيتنا …فنكون نحن كما نحن امام الجميع …ان نقلع ضرس الخوف او الحذر من اي شخص في محيطنا …وليس فقط زفت ..وليعلن الحب عن نفسه واتفقنا على ان الذي يطلع في ايدهم يطلع في ….
تعض على شفتيها ..تنبهه ان لا يتمادى ..تحاول منع انفجار الالفاظ النابية …تحاول استرضاءه :
- قلت اني اجتهدت ..وللمجتهد اجران ان اصاب ..واجر واحد ان اخطأ …وانا لست طماعة …اكتفي بأجر واحد

لكنه يسترسل ..لانه لم يسمع شيئا ولا يشوف الفضا :

- … أما اذا تراجعت واردت ان تمهدي لعلاقة جديدة بعد سفري فهذا شأنك .
- …… هكذا تجرحني .
- اصنعي ما تشائين ..ولكن لا تشهري بوجهي اسلحة المرأة ..ولا تجرحي انسانيتي وحسي ووعيي …
- كنعان,ارجوك , اسمح لي ان اهون عليك ..انا لا اريد ان اجادل او احاجّ…
- ماذا اذن تريدين ؟
- اريد ان اعترف بذنبي …وادرك معك نفسي …
- يا سلام ! حسب الاصول ….
- ما عليك الا ان تهدأ وتقول لي ماذا اصنع لاكفّر عما بدر مني ؟! على اي عمارة او مبنى تريدني ان اصعد واصرخ باعلى صوتي معلنا حبي لك ..لك وحدك ..اي عمارة ؟؟ قل …اي برج ؟ برج ايفل ؟ …ستقول هذا مردود لانه غير واقعي ..لكنني اقسم لك لو تنطق الان ياسم اي مكان لتوجهت اليه فورا لتتاكد انني اعني ما اقول …

يبرد …يصمت ..تتابع :
- ..حسنا , امام اي مجموعة تريدني ان اشهر حبي لك ؟ وبأي طريقة تشاء ..؟ استاذ كرة القدم ؟ آه لو تؤجل سفرك ليوم يكون فيه لحتفال ما في احدى القاعات او لمسارح او لعبة كرة قدم …لتعرف الى اي درجة انا مجنونة !

أداء رائع …لم يترك مجالا لعتب …لكنه يترك مجالا لاختيار مدى الصدق ..هل يسمي لها مكانا وزمانا وجمهورا ويقول لها هيا …يعرف ان عنادهها سيدفعها للمغامرة …اذ لا يصبح امامها من مفر الا الجنون … يستفتي قلبه في مدى الصدق في هذا المشروع …مشروع الاعتذار والكفارة …يجيبه : اخرس …طالما انت متورط معها في الحب حتى الــ ……

- ليش ساكت ؟ شو بدك مني حتى تقبل اعتذاري ؟
- قبلة ….
فقبلته ..رغم المطعم والناس والطعام وكل شيء ….
شهق …فضحكا …تفلّت منها فالتفت اليهما عمال المطعم وزبائنه مستغربين منذهلين …غمزها ان تنتبه لهم ففعلت …ضحكت فضحك ..فغص وتوالى سعاله واخذ يضرب صدره لانقاذ روحه التي كادت تطلع …وقالت :
- وبعد ؟
- ان تبوسي رأسي …
فحاولت ان تبوس راسه بكنه ابعده حتى لا يتلوث بمعجون البندورة …واصرت ونالت منه وباسته بعد ان سقط احد صحون الطعام فلوثه وانشغل بمسح بقع الطعام بيده ..واستمتع الناس الذين كفوا عن تناول الطعام مشدوهيم بما يرون …ناسين افواههم مفتوحة على وسعها مليئة بالطعام …وحسبوا انهم ببلاد العجائب …
- كويس ! بعد ؟
- ….ان تبوسي راسه …
- هات …ان كنت رجلا …فضحك وضحكت …وسكت ..فقالت :
- شايف ؟ مش عيب عليك تتراجع ؟
- عيب علي ؟ حرام عليك يا شيخة ..فرح عظيم كان بانتظارنا لليوم الاخير فقتلته …حرام عليك …حرام عليك …

ضجة في مكتب السفريات :
- سيارتك ستتأخر للمساء …لان السيارة قد تحركت قبل قليل وانتظرناك فلم تأتي .
-ولكن موعد السفر الذي اعطيتموني اياه لم يحن بعد ؟
- صحيح ولكن هذا الذي صار …فماذا تريد ؟ونحن لا نستطيع ان نحرك سيارة لك وحدك ..
سوء التفاهم يكبر …والحوار يعبأ بالصراخ ليزيد التفاهم سوءا …وتضيع الطاسة …ولا جدوى …
تدخلت لانقاذ الموقف …حيث وجدت في ذلك انقاذا لنفسها :
-ما رأيك لو تؤجل السفر الى الغد ؟
فرج لهذه الفكرة/ الدعوة وقال :
- ولكن …السكن ..الوقت …لا اريد ان اتاخر ….
- كلها تدّبر ….
- ..إمممممممم…لا بأس ….
فرحت ..وهي لا تكاد تصدق هذا التجاوب :
- اذا سأبقى معك حتى الصباح …حتى تسافر …فترى كيف يكون الوداع !
زادت حماسته فاستأذنها ريثما يسوي اموره مع موظفي المكتب الذين مازالو يرغون ويزبدون …ولما اشعرهم برغبته في تأجيل السفر الى الغد …رحبو بأي اقتراح من شانه ان يحل المشكلة فيرتاحوا من حشد الحجج التي تعفيهم من المسؤولية …وعندما عاد اليها وجدها تبكي فرحا …حضنها وقال :
- فلنعد الى السكن لأسوي بعض الامور ..
- اذهب انت ودعني اذهب الى البيت …استحم وابدل ثيابي …ثم نلتقي …
- واين نلتقي ؟؟
-…………..
- في شقة باسم ؟؟
- ممممم …مثلما تريد !
- مثلما اريد انا …ام مثلما نريد نحن ؟؟
-مممممممممممم
- ماذا قولي ؟؟
-شو رأيك نغير المكان ؟؟ دعه يكون مساءا مختلفا …هادئا ..رومنسيا ….
- فكرة رائعة …فلنسهر في الفضاء …تحت السماء مباشرة …نعم ..ارى اننا بحاجة الى الشجر والماء وبهاء الطبيعية …
-إذن نلتقي على الكورنيش …في الحديقة التي تعرفنا ونعرفها …وتحبها انت كثيرا ؟
- على المقعد اياه ؟
-اوكيه …
- الى اللقاء
- الى المساء ….

**************************

ندية كوردة الربيع في مساء ندي كهذا …ترتدي ثوبا قطنيا ناعما …خمري اللون …منقطا بوحدات نباتية خضراء وزرقاء وصفراء …مثل الزعتر …منها زهرات ياسمين صغيرة تفوح منها رائحة عطرها الذي ساهم في رسم صورتها وانتمى اليها ..الذي احتفظت بزجاجة منه لأستحضرها هناك بواسطته ….
عناق حار …على ذراع المدينة التي بدا الحنين اليها يغزو قلبه ليتمكن من اسره عندما يغادرها مباشرة …عناق على مقربة من القمر …دون حذر من البشر …
- لك عندي مفاجاة …قالت بعد ان التقطت انفاسها من غمرة القبلة / البحر …
عمل الحدس بمهارة فائقة في جزء من جزء من الثانية :
- أحزر ؟
-إيه ؟
- جاءت الدورة …صح ؟
قالت وهي تهز راسها وتضحك من السرور بزف البشرى :
- صح
- متى جاءت ؟ بعد ان تركتني ؟
ابطات في الاجابة …خبث يتراءى :
- ممم ..لا …جاءت في الامس
بوغت بالاجابة :
- ممماذا ؟
هزت رأسها مؤكدة وهي تبتسم بمكر الذي نفذ مقلبا في خصم واكمله بالتشفي …..
- فلماذا اذن قلت انها لم تأت عندما سألتك في الكفتيريا هذا الصباح ؟
-طبعا سأقول ذلك لأحتفظ بك …انت لم تر نفسك وانت تسالني وتحسم أمرك معي وتقول …تقلده ساخرة :
- ..” كل مايربطنا الان هو الدورة …قولي فقط أتت ام لا كنت بركانا من الغضب …يا لطيف ! ماهذا ؟؟ أأنت هذا ؟؟
- ههههههههههههه
- …لكني اعرف قلبك …اعرف كيف ينبض ..واعرف انك لن ترتاح ولن يهنأ لك بال اذا سافرت قبل ان تلتقي بي …بأي طريقة وأي ثمن …لست نذلا فتدير ظهرك …فقصدت من جوابي أن أبقي على الخيط بيننا …
- كذبت عليّ..يعني !
- كذب ابيض يا حبيبي
- احبك يا ابيض …ههههههههه
- هههههههههههههه
- ولكن هذا يا حبيبتي يسمى ابتزازا …أليس كذلك ؟ إنكم تقتلون الجياد …أليس كذلك…
- سمه ما شئت …فقد كان المهم عندي أن أحافظ على خيوط العلاقة ..
- ولكنك انت التي افتعلت ما حصل بالامس دون سبب يذكر و …
- يا إلهي كم انت بغيض …ألم اعتذر لك بكل جوارحي …وكفّرت عن ذنبي باختراق المألوف في المطعم المحفوف ؟ ماذا ترؤيد ايضا ؟
نكهة الوفاء …يتلمظ …طعم الحب ….عاد صديقا …عاد حبيبا ….
نحلة من عذاب ابتعدت ….وذبابة من قلق كفت عن الحوم…صار الفضاء أرحب …لا خطيئة تشدك من الضمير …..ولا مفسر اللغز يأتي ليقلق اهل طيبة …فلا حاجة للعرافة …ولا لقتل الابن …عاد اليها :
- انت اذن مريم العذراء ؟
- لكن الابن ايها الاب لم يبعث فيّ!
- ينجو من القتل …فهذا زمن القتلة …

أديا طقوس الفرح يغمره الاحساس بالتحرر …الحب وحده عاد سيد الموقف …نقيا خالصا من اي توريط او مسؤولية …سيكون اذا استمر من اجل ذاته … واذا انتهى فلذاته …
أمسك يدها وحلقا فوق العشب …فراشتان طارتا من حبس توا …امتزج ضحكهما مع رائحة العشب الاخضر …جلسا …
ساد صمت قليل …
كنت اظنها المرأة التي قال عنها الشاعر بسيسو :
هذه المرأة تحبل من شفتيها …
تحبل من نهديها
من قدميها تحبل

وكنت اظنني خصبا لدرجة تتحدى جدران البكارة وخناجر القبيلة ….
تكاثف الغيم حتى حجب القمر …
اكتأب النهر …

-مالك ..؟ قالت …فقال :
- كان يعلم اذن أن لا رغبة لهذا العالم باستقباله …اوديب الذي ما جاء …فلا قتل الملك ولا ضاجع الملكة …
- وما حللت اللغز …استغرب كيف نبرمج لنكون ضد انفسنا …كيف تأتينا الرغبة الصادقة لتقديم انفسنا قرابين متوالية خوفا من لغز …
-عندما تغلبنا على العصابة ..او كدنا …لم نتمكن من التغلب على انفسنا المسكونة بالخوف والقلق …الاحباط …الانانية …ضيق الافق …التآمر على الذات …بالشعور …او اللاشعور …موت حتى الاخصاء …

أحست بطعنة الندم ..اقسى كثيرا من طعنة خناجر القبيلة …
تمنت لو دفعتها الشجاعة لتقديم بكارتها قربانا للقادم …بدلا من تقديمه قربانا لها …لهما ..للسلام في هذا العالم المسكون بالهمجية …
- كان ثمة فرصة للمغامرة …كان يجب تمزيق الحاجز ليجد الطريد منفذا للحضور وليكن بعد ذلك ما يكون …

* ******************
هذا هو المقطع الذي نال اعجابهم …فصفقوا بحكاسة ونظر بعضهم الى بعض برضى فائق قم نظروا الى السيد …لينفجروا من الضحك ..:
- هأ هأ هأ ااى
-هأ هأ هأ هأ هيييييييييييييييييء
-هأ هأ هأ ااااااي أهي أأ ةهي أه أه
- هأ هأ هأهه
- مخصيون ويحلمون بالتغلب علينا ! قال السيد وهو يتابع الضحك الهستيري فتصاعدت موجاته منهم من جديد …حتى وصلت الى السماء ..

*************************
- يبدو انني لن اتمكن من السهر حتى السحر كما وعدت …لا بد ان اذهب ..فأنا مرهق و …يبدو ان الالم نال مني …وشهوة التأمل تحاصرني ..
-لاااااااااااااااااااااااا!
-اعذريني ارجوك .
- اراك اذن في الصباح قبل ان تسافر ؟
- طبعا …لا بد من ذلك …
- اذن اين اراك ؟
- لك الخيار …كما تشائين
- ما رأيك لو هناك ؟
- هناك اين ؟
- قصر باسم …اود لو اودعك في مسار القمر الجميل …ولو نهارا …فسوف نرى موقعه وملامحه ..ليكن وداعا بدرجة الانصهار …درجة الموت …ليكن …سأبدد غمك واسقي فيك كل البذور العطشى …غمز :
- أنسيت أنك في الدورة التاسعة والتسعين للمجلس الثوري الطمثي الدموي ؟؟!
-كفاك تهكما على نصفك الثاني …او ضلعك الذي منك يا آدم …
- اوكي … ايف

ينزف الحزن ضحكا طفوليا يسيل في الطريق ويدوس الناس عليه حتى ينتصر الصمت …
ليل …قمر …ظلال ليلية ساحرة رغم كل شيء …نعيها …نعم …نحس بها …اضاءات تنعكس في البر والنهر …النهر يـتألق …سكران…والارض نشوى …كأنها شربت النهر ..نعم …كل شيء يحيلنا الى ذلك المساء ,,,مساء استثنائي …: انا وهي في المركب …بين عائلات عليها طابع الاناقة البسيطة …كما طابع الاستقرار والتفتح …والركب مقهى ورصيف …ارصفة …يسير ببطء وتوازن …ليس كمركب رامبو السكران …منتش …مجرد انتشاء …هو المركب النشوان اذن…يمشي ولا يمشي …انتبه الينا المرافقون في هذه الجولة وهي تلقي برأسها على ذرؤاعي وتتأمل نجوم السماء او تعدها …ادركو اننا عشاقا واستوعبونا …فما كنا مبتذلين …بل كنا دونما قصد كما في فيلم رومانسي مرهف …حتى اعتقدنا اننا خارج الوطن …بل خارج الكرة الارضية …خيوط من نور قادمة …من بيوت على مرمى البحر …ومن محلات قريبة كذلك …الارض تدور تحت اقدامنا …البساط الاخضر ينسحب …هنا الشارع …السيارات تأتي وتذهب …تصل ببطء…ثم تذهب بسرعة البرق …الحافلات …هي غيرها في النهار …هنا مضيئة مسرعة …وفي النهار سلحفاة …الاضاءات باهرة هنا …والهواء بارد …دخل تشرين فأهلا بالشتاء …المطر …البشر …السفر …بالهواء بالحافلة ……بسرعة الريح تخترق جسد الهواء كما السبح يخترق جسم الماء …كمركبات الملاهي تدور في فلك اوسع …وقوف …نزل …الايقاع الهادئ …هنا على الارض من هنا السير نحو حيهم الشعبي القديم …الاضاءات تنسحب تدريجيا …حتى تبتعد اذ يقترب الزقاق البائس …المعتم …الى هنا فقط …حتى لا يراك احد من اهلها …قبلة حارة …محمومة …
- تصبح على خير
- تصبحين على الف خير
- الى اللقاء في الصباح
- مع السلامة …

انتظر ريثما يفتحون لها فتدخل …حسنا
العودة الى الشارع …عودة النور …عودة الحنين …عودة الوحدة …الحافلة مرة اخرى …الشارع …هنا السكن …ضجة …
نفسك مرفوعة عن الحديث والمجاملة …وانت في حكم المسافر …ما عليك الا ان تسلم وتؤكد لهم انتهاء اقامتك غدا قبل الظهر وتستاذن لتصل الى غرفتك فترتاح …فإن صادفت جيرانك فلخص لهم الموقف …واعتذر عن الجلوس والسهر لانك متعب وبحاجة الى الراحة …

**************************************
في مجلس السيد كفو عن الضجة …وصمتوا كما لو احسو بخطر …بعد هنيهة ..تطلعوا الى السيد يستفسرون الامر …فابتسم وقال :
- لا …لا تقلقوا …كل ما هنالك ان دوره انتهى ..فقد قام بالواجب وزيادة …لقد طلبه الرب ليكافئه …
تجاوبوا معه في الضحك ..فاضاف منتشيا بسرعة بديهته :
- لا بد للوجوه ان تتغير على المسرح تبعا لما تقتضيه المرحلة وكل هذا يسير حسب الخطة …
ثم ترك المجلس …كمن جد عنده أمر طارئ …وفي اللمحة الاخيرة لوجهه التقطت عين التاريخ بعض بوادر القلق …

**************************************************

عناق حتى الذروة في الغرفة الاسطورية …قبل …قبل …قبل …قبل ..قبل ….العين …العين الاخرى …اليعون …الشفاه الرقيقة …الشفاه …الخد …الاذن …اللسان …الشفاه …يرشف هواءا لذيذا جدا يتلمظه …يرشف لذة لذيذة جدا …يتلمظها ..الرضاب …شهد الرضاب …رعدات مربكة ..وارتجافات …الارادة تقف …تواكب الحركات المنفعلة بجنون مشبع باللذة ..العنق …يعض : أي …حرام عليك …وشوشات مبحوحة …العنق من جميع الجوانب ..طوق من القبل يحرك شذى الياسمين فيفوح العطر …عطرها …الكتف من الخلف …من الامام …الايادي تتشبث بالنشوة وهي ترتجف …القمصان تحول دون اندماج الاجسام العطشى …الاصابع تفك الازرار بسرعة وعذاب لذة …تتطاير قطع القماش الصغيرة …الصدر…النهدان …طراوة الندى الباقي …نعومة ولين …تغوص الاصابع في الذ تجربة حسية …يتكور النهد تحت الراحة …يلتهب القلب …رجاوات التعلق بخيط النشوة …ابتهالات الجسد ,…البطن ,الظهر …البطن …السرة …البطن …اسفل البطن …اسفل …حدود بنطلون القطيفة الخشن …الكمر…خشن …السحاب :
- لا …قف عندك …هذا حدك …ام نسيت ؟!
- لا …اطمئني أعرف …ولكني احسس جمال التكوين …النحت …فالاشعاعات النووية تصل قلبي …وذاكرتي محشوة بتفاصيل جسدك …لكني بهذا اعمل على الاندماج الحسي …
اشتدادات في الاعصاب …وخصوصا اعضاء الاعصاب ذوات العلاقة بمشاعر الحب والجنس والثورة …وارتجافات الحب والمتعة والخوف والفرح والحزن والالم …دارت الارض واختلطت الكائنات والعناصر …الصدر عار وبنطلون القطيفة الرمادي ذو الزعانف الطويلة الخشنة يتمسك بحوضها فتتجلى عروس بحر تخرج من الماء متطاولة ثم تنتشر بتموجات جامحة وتتلوى بحركة النار المجنونة …ويطير اللباب …ثم يغيب كل شيء …
يحترق البحر …يستسلمان فيلفظهما على الشاطئ ….وتخمد النار …..

**********************************************
كوووووووووووووني عاقر
أي ارض فلسطين
فهذا الحمل مخيف

كوووووووووووني عاقر
أي ارض الحب …
فهذا الحنان مخيف

بدا الصباح نزقا رغم عناصر البهجة …العطر والضياء الحنون ولقاء الحب العائد …العناق المثير واحتراقات الجسد واليقين بالعقم ….فلا بسطار جند ولا خناجر قبيلة …وخبر الامس : سحل الزعماء المصطنعين بعض عزاء للمقهورين المغلوبين ..رغم هذا ورغم عناصر اخرى غامضة لم يلملمها الوعي ولم يلمحها القلم ولو من بعيد …رغم كل ذلك بدا هذا الصباح حاد المزاج وقد كست الجدية سحنته كأنه يتنبأ بنبأ عظيم :
- انت سارح ؟؟
- أنا مغموم …يسكنني سيزير :
(( أماه …ليس في هذا العالم انسان مظلوم …
انسان مقتول مسحول …
انسان محروم …
لا اقتل او اهان فيه ))

تتأثر …….
النظرة الاخيرة لتفاصيل الشارع القديم …السوق القديم …مطاعم الدرجة الالف التي غذت قلوبنا …المحلات والاكشاك المزركشة كملابس المهرجين ..الحمام التركي القديم …هنا كنت استحم …انقع جسمي القذر في بخار الماء المغلي ..واطلب من المدلك ان يستخرج الفتائل السوداء …وابصق ..ثم اغسل الجسد المرهق بالماء الكثير الكثير …الساخن فالفاتر …ثم مرحلة فمرحلة انتقل …حتى اخرج متلألئا …استريح بينما اتناول الشاي ..القهاوي ومقاعد القش …صوت المقامات القديمة يصدح ..اديب الدايخ …بيت عائلة باسم الى الامام قليلا على اليسار في الزقاق …
الرجال المارونيحدقون بها بوقاحة …صحيح ان بمطلون القطيفة ذا اللون الرمادي ضيق لدرجة الالتصاق بجسمها حتى يسبب الاثارة …ولكن رد فعلهم يبدو فجا متعمدا التحدي ويعني انتهاك حرمة الآخر اواجه نظراتهم بنظرات تحد : أي عيب !! صدامات كثيرة مرشحة للظهور …
- مابك ؟ ما شأنك بهم ؟ دعهم لحالهم ….
- انا لا اريد شيئا …ولكن الانسان ليس موضوعا للفرجة …ان ابسط قواعد الاخلاق تقول هذا …انا ممتلئ بالغرائز …ولكن غريزة الجمال هي الاقوى ..او المفروض ان تكون كذلك …ويظل علينا ان نتصرف …ولو بالظاهر على الاقل …انطلاقا من الناحيتين الفنية والحسية ..قد اجد انني راغب في تأمل الجانب الفني ومستفز حسيا …فأسرق النظر لامرأة جميلة بخفة اللص المحترف …وقد ارمي سهام نظري على مواقع الاثارة الشديدة ..ولكن بدون وقاحة …وقد اتلوى شوقا للدخول فيها لأنه ليس بيدي غير ذلك …لكن يجب ان يتم كل هذا دون ان التسبب باحراج الشخص الاخر …عليّ من الجانب الانساني ان احترمه …احيانا تلتقي عيون رجلين فيتحدى كل منهما الاخر بالنظر حتى حتى يقول احدهما للآخر …ماذا تريد ؟؟…علام يدل ذلك ؟؟ ..على ان مجرد النظر اليه سبب له ضيقا شديدا …وتخيلي شكلا اخر للسيناريو ……
-آه؟؟
- تخيلي احدهم ادار وجهه في المرحلة الاولى عندما التقت عيونهما ثم استمر الاخر بالنظر اليه فظل الاول قلقا لاستمرار الاخر بالنظر هكذا ..فسرق اليه نظرة اخرى فوجده مازال محدقا به …لابد هنا ان يحس بالضيق وان تجنب الصدام لن يحس بالراحة لأن القلق يساوره …لماذا ؟
لأن الانسان لا يحب ان يكون موضوعا مخترقا بشخصه وذاته …ان يكون فرجة حتى لو كان جميلا …
- نعم ولكن ……
- انظري الى هذا الوقح مثلا …يتابع نظرته بوقاحة …اليس كذلك ؟؟
- ..دعني اتحدث ولا تقاطعني ….
- عفوا تفضلي ..
- افرض ان الانسان انتابه الاعجاب …فتن …ويرغب باشباع نظره بما فتن به …ونحن خاصة النساء …نعمل كل وقتنا لكي نلفت الانتباه عن طريق تجملنا …بل نعمل لنفتنكم ايها الرجال الضعفاء …
- حسن …قلت لك ..احاول ان اشبع نظري بما يفتنني …ولكن بحذر …بذوق …بخفة ..بأناقة …ليس هكذا : يدلع لسانه ويرخي حنكه ويحق في موضوع فرضي كالأبله …تضحك …يضحك …
- …يعني اقتربت من الاقناع ..لكن ..
- ثم هناك شيء اخر …فالأصل ان يعبر المفتون عن افتتانه بمستوى راق رقي الانسان نفسه …فالافتتان انعكاس غامض لاكتشاف الجمال يتجلى بالفن …فقد يرسم المفتون او يكتب شعرا او يؤلف موسيقى ..او ..او …وان لم يكن موهوبا …يصرخ ممجدا الخالق …وله ان يعبر بطريقته عن اعجابه بما يثيره ..بإمرأة اعجبته مثلا مباشرا هكذا بتلقائية وبساطة …
- هالله هالله …لكي تضربه بالحذاء …
- هي تصبح هي المختلفة …الا اذا كان اسلوب التعبير سمجا : ايش يا حلو…طنيب على الله …عبّرونا ..حنّوا علينا …بكرا ح تندم يا جميل …غريب ! يقولون ما في رمان بالبلد …..ايش هالطـ………
- أراك ماهرا في المعاكسة …
- شو شايفة ؟؟ هي ثقافة الفراغ /الثرثرة …اثر من آثار الثقافة الاستهلاكية يا سيدتي …المعززة بالكبت وانتاج الانماط …وحجب الافق …ومحاصرة الابداع …هي علمتنا هذه القوالب الهزيلة ..هي السوقية التي أُقحمنا فيها دون ان نجد مخرجا …ولا بد ان لها دورا في بعض مواقع الصراع …ولكن ليس هنا …
تتعلق المسألة بحساسية الصراع وحساسية دور اسلوب التعبير ربما …اكثر من جوهر التعبير نفسه …والمهزومون الضعفاء أحوج للحرص على دقة وسائل الصراع وصيانتها …لان مهمة الانتقال الى مراحل جديدة اصعب بكثير من مهمة الترسيخ …يتذكر ..ثم لماذا تستدرجيني في هذا الحديث عن المضايقة بالنظر واذكر انك طرحت نفس هذا الرأي مرة على ما أذكر ؟؟ وأعلم انك تستفزين كل احاسيسك ضد تصرفات الرجل الشرقي تجاه المرأة التي تفهمينها والتي تسيئين فهمها ؟؟ كيف هبط عليك هذا التعاطف المفاجئ مع الرجل الشرقي يا خيرزاد ؟؟
- ما رأيك لو نغادر اليوتوبيا ونفكر في ما تبقى لنا من وقت بموضوع سفرك وغيابك وبما سوف تعمل هناك …
- أتريدين الحق ؟
- طبعا …أمال ؟؟ …انا عايزة ايه ؟؟
- صدقي اني افتعل هذا الحديث لأهرب من التفكير بالسفر ..
- مم تخاف .؟!
- اخشى فعلا ان لا اتمكن من العودة …
- وماذا ستعمل في مثل هذه الحالة ..؟؟
- فيما لو منعت من العودة لاسباب سياسية ..فأنا افكر بالنفاذ الى مدن المغرب العربي ..التي سمعنا عن هامش الحرية فيها …فضلا عن قربها من العالم الاخر …فإذا ارسلت لك من هناك فهل تلحقين بي…؟!
ابتسمت بخبث ..وقالت :
- آه …يبدو ان حديث الزميلات اول أمس كان له مفعول قوي !
- إياك ..إياك ان تنضمي الى صنف النساء الغيورات…
- ….لا تكبرها…انا اداعبك فقط …شومالك …؟؟
- حسن ..اذا كان الامر كذلك فلا بأس …اجيبي
- بم اجيب بغير يا ريت …فهذا هو الحلم …المنفى الابعد في الجغرافيا …الابعد في جوهر الذات …الاقرب لظاهر النفس …الاقرب الى مجال الانطلاق …كما نتصور …
- نعم ..بهذه الطريقة انا افكر …ولكن الصورة عن بعد لا تكون واضحة …وجل ما نخشاه ان لا تكون هذه سوى اوهام …
- تسافر اولا ثم تدرس الجو وتخبرني … ثم لماذا يدور الحديث وكأنك لن تعود الى هنا وانت ذاهب في مهمة ستعود بعدها ؟؟ وأي ضير في ذلك ؟؟ولم انت متشائم الى هذا الحد …

- نعم انا متشائم …بل متشائم جدا …
- انا متفائلة …
- صحة وعافية ……..

صمت ………………………………………….
ثم جاءه خاطر فاستدرك …:
- فإذا اندمجنا وصرنا واحدا يكون متشائلا ……..
- بل متشائلة.. من فضلك ….
- دخيل رب تاء التأنيث …يالهي كم انت متعصبة الى جنسك!
- أرأيت انك مازلت ذكرا شرقيا رغم كل ماتدعي من موضوعية وتحرر …انت ..انت بالذات المتعصب الى جنسك ولست انا واستطيع ببساطة شديدة ان اوضح لك ذلك …
- تفضلي ,.,,ولكن ارجو ان تكملي قبل ان يصيح الديك ويدركك الصباح …
- قلت متشائلة ايها الملك السعيد …والعمر المديد …لأن التفاؤل لي …انا الذي اخترته …والتشاؤم لك …انت الذي اخترته …وحيث ان المقطع الخاص يالتفاؤل جاء في الاخير وحيث انه المتعلق بصفتي انا …فيجب لذلك ان يطابق جنسي انا …
- حسن …ولكن بهذا اندمج في المؤنث …فهل ترضين ؟؟
- فإن لم ارض ان تندمج في المؤنث …فهل ترضى ان اندمج بالمذكر ؟
- لا , طبعا …ولكن صيغة المذكر تشمل الجنسين حيث تعبر عن النوع الانساني ….
- نرى في هذا غبنا آخر …
- فما الحل .؟ ….يا سيدتي ؟
- لماذا نتشاجر على الاندماج والله اعلم ان كننا سنندمج ام لا ؟
- هل تلمحين الى رغبتك في الحصول على وعد مني ؟
- لا ابدا , ليس هذا بذهني …لكن الذي بذهني تساؤل صغير غير هذا بتاتا وان كان يمت له بصلة …
- فما هو ؟
- اتساءل ان كان يمكن ان تتزوج هناك بالشروط السائدة تحت اي ظرف …وتتخلى بذلك عن كل الافكار الجميلة التي فتحت رؤيتي عليها …وكنت اعتقد في البدء …ولا اخفيك …لن تزعل ؟؟؟؟؟؟
- قولي ..قولي …لن ازعل ولكنني اعرف ……
- نعم لا اخفيك انني كنت اظن انك انما كنت تنظّر …تزاود لتسرح بي …لكي …لكي تستدرجني …و..وتوقع بي …وانك انما تسعى الى العلاقة الجنسية …لكن مواقفك الاخيرة اوحت بالانسجام بين طرحك وحياتك …حتى ان زميلتي في القسم …الوحيدة التي اصارحها باسراري تعرفها …اليس كذلك ؟
- نعم …نعم …
- هي اكثر من زميلة ..بل اكثر من صديقة ..سألتني في ازمة الدورة : هل تخلى عنك ؟ أم يهتم بك ؟ فالرجال يتقربون لمصلحتهم وما ان ينالوا رغبتهم حتى يديروا ظهورهم …فلا يبقى للنساء سوى الفضيحة والالم …ومواجهة الصبر ..
- وبماذا اجبت الصديقة العظيمة ؟
-اطمئن …..قلت لها : لا …من هذه الناحية اطمئني ….لم يدر ظهره …لم يكن نذلا …كان رجلا

-

اطمئن …..قلت لها : لا …من هذه الناحية اطمئني ….لم يدر ظهره …لم يكن نذلا …كان رجلا..المس فيه صدقا ..واعول على ايمانه برؤيته …حياته ..كشف عن حلم اكبر مما يوحي به القول …

أراك بوضوح الان …واخذت منك البشرى …ولا اريد ان افقدها فيك …ولا اخفيك انني مليئة بالهواجس ..لا احتمل ان تتغير فتختلف …يسكنك آخر فيتنكر لك …يتنكر لآرثر رامبو ..ولي ولجيروم بوش …الذي صور حلمك ..في لوحة حدائق الجنة …او ما هو اسمها …نسيت ………
- اسمها حديقة المذات THE GARDEN OF THE EARTHLY DELIGHTS
- صح …مزبوط ..تذكرت ..هل تعلم اني رأيت اللوحة عند الدكتورة التي ذهبت لمراجعتها بشأن الدورة …ولكن يبدو انها من عالم آخر …أعني وجدانها …فقد نظرت الي نظرات اتهام …إنها منهم وليست من عالم بوش ..ليس منا …وتساءلت عن سبب حرصها على اقتناء نسخة من اللوحة طالما أنها بهذه القسوة؟؟ اذ لا تبدو أية آثار للوحة على سلوكها …
- تتباهى الطبقة الطفيلية هخذه بإقتنائها للآثار الفنية …تتصنع استيعابها واعجابها فتردد عبارات مكرورة لنيل اعتراف الطبقة الارستقراطية بها …تشبثا بحلم الانضمام اليها …زيف …اليس كذلك ؟؟ فالله بينهم وبين الفن …والله بينهم وبين الجمال …والله بينهم وبين الروح …
يتشدقون بالحديث عن فان كوخ …يتصنعون تذوقهم لأعماله …يتحدثون عن شوبان وعن موسيقاه …بكنهم بعيدون جدا عن لمس المغزى الحقيقي للابداع …لانهم بعيدون عن المغزى الحقيقي لوجودهم الانساني …ولذلك فهم يستخدمون الفن كما يستخدمون الازياء …زينة …طقوس برجوازية …مغرية ,ساحرة ..ربما …ولكنها تظل في مجال السطح ..قشور ..بينما يبقى الوحش في الانسان الذي يستغل الانسان ..
اسألي غويا …يبدأ الانسان في استخدام الانسان في العمل …فيأكل المستخدم ما ينتجه المستخدَم …فكأنه يأكله …وفي مرحلة الوفرة يستخدمه لعرض الازياء ..لكي يتمكن من الحكم عليها فيقرر ان يشتريها او لا يشتريها …ثم يستخدمه لكي يعزف له ..فيمتعه او يرسم له …
قال القيصر لشوبان : اعزف ….اني مصغ …
فقال شوبان : انا اعزف ولكن ليس في حضرة القيصر …
وودع حبيبته على حدود بلاده ..عند النهر وفرّ خوفا من القيصر …
وينتهي المطاف بالانسان ..كما بدأ …الى قتل الانسان …تحت أية حجة او مبرر …ثم الى مص دمه بالطريقة التي رسمها غويا …ونحن نرى ولا نعتبر…والنفوس تظل اقسى من ان تتمكن لوحة او قصيدة او قطعة موسيقية من التأثير فيها …تعلّمَت كيف تصفق للخطاب التافه لمجرد خروجه من فم الغني او صاحب الجاه …مابالك بالسلطان ! …..ترقص على ايقاعات الاغاني الرخيصة التي يردح بها المخنثون والعاهرات …غدونا بحاجة الى زمن تطور طويل لنعود الى انسانيتنا …لنعود الى زمن البراءة …وقد صرنا الى قوى عظمى داخلنا نخرج بها من المأزق الذي نشخصه تشخيصا دقيقا ….ونخمن انه بسيط ….

المهم : بالنسبة لماقلته حول الضمان ..فأنا استطيع ان اضمن لك ان لا اقتل عالمي بيدي …لكني لا اضمن ان لا اضعف حيال قسوة الحياة ودوامتها …صحيح ان اكثر ما يعزز ايماني بحلمي هو تطابقه مع احلام مفكرين او فنانين آخرين …وطالما ان هناك حلما مصورا على طريقة جيروم بوش …فإن الحلم يصبح مشتركا ..أي مشروعا وبالتالي محتملا ويقترب ولو بسرعة السحفاة من التحقق بقدر ما نندفع للتقرب منه …وانت شاهدة على اني اعيش هذا الحلم بكل جوارحي واسعى اليه مغامرا بقلبي الضعيف لأخوض حرب طروادة اخرى …
لكن هناك واقع يأسرنا بضيق افقه …ونحن بتكويننا الداخلي جزء منه …وهو جزء منا …فمازلنا مسوخا لمشروع الانسان الذي رآه الفنان ورأيته …حلمت بكابة يوتوبيا …ولكني عندما رأيت اللوحة …فرحت اذ وجدت ان احدا قام برسم المشروع بدقة متناهية فما من حاجة للتكرار …الناس عراة كالازهار وعرائس البحر والايائل …الناس انقياء كقلوب الرشا …تفاعل البشر مع الكائنات الحية والعناصر الاخرى بانسجام أخاذ ..اتلناس على صورتهم الاولى بمختلف الوانهم …العصافير …الغزلان …الاسماك الاصداف …المحارات .. الفئران …العنب ..الكرز …الفراولة …سطوح البلور الاسطوانية …او المخروطية …القواقع …الماء …الفضاء …الخ …وشرعت قوانين منها : مدينة فاضلة ارتقى بها الانسان لمرحلة اعلى …النبل فيها هو السيد ..ومن تسيطر عليه الشهوات الدونية يمسخ الى انسان .,..
مادة 2- من تسيطر عليه اطماع السيطرة والاستعلاء …يمسخ الى حيوان …
مادة 3-من يطمع باكتساب القوة على حساب العدالة …يمسخ الى حشرة فبيحة …الخ
آآآآآآة..زماذا اقول : فقد اتزوج ..بدافع من ..من …من رغبة في فك العزلة …او هربا من حصار اجتماعي …او تحمل السؤولية في حالة تورط …كما اوشكنا ان نفعل …او الاستسلام لاغراءات الحياة التقليدية …حب شرعي حسب الاصول …جنس محلل لدرجة انهم يحملونك على اكف الراحة ويدخلونك على العروس المنتظرة …الخ
لكن ما أؤكده لك …انني لن اتزوج زواجا تقليديا …هاقد وصلنا مكتب السفريات …لحظة من فضلك …

هنا ينتهي كل شيء …لحظة جليلة دون ان تتمكن من اعطائها حقها …وداع صامت لسفر غامض ..لا تعلم ان كان قريبا او بعيدا …هي الدنيا …هو السر الغامض داخل هذا المخلوق …نقطة الضعف الانساني التي تجعل من جنرال حرب يبكي في حضن امرأة او مشهد مؤثر …
ترتجف شفتاها …سرب من الفراش الوردي يتحفز للطيران من على شفتيها …لكن عيون البشر الفضولية في الطريق تمنعه …فراشة واحدة تفلت …انتحارية …تحط في القبلة بين الشفاه المترجية الامل …قبّلها …نعم في الشارع العام …قبلة خفيفة خطفت كالفراشة الهاربة من السرب …التفت الناس باستهجان …وتجاوزوهما وقد ردت اعناقهم للخلف …لكن أيا منهم لم يسبب ضيقا …كما ان الوجوه التي مرت جميعا ليس فيها وجه يعرفونه او عين تعرّفت عليهما ….
يتموت الفراشة اذ تفلت ايديهما …
اغرورقت …حبة واحدة تنزل بصمت …يراها …تحفر في قلبه اخدودا …يقسم ان يحفر مثله هنا …تلوح وجهها شمالا وتحت لتتماسك …تتمكن من التماسك بصعوبة …يبتسم مشجعا وهو ينزف …أفاقت فقالت :
- مع السلامة …وسحبت يدها …
نظر الركاب اليه …وتطلع السائق اليه مستعجلا اياه …
- مثل الافلام …علق واحد مستغيبا وراء ظهره للفت الانظار …دون مواجهة …ولكنها دخلت اذنه كالمسمار .,….
أهون من الرجم …أهون من اي شيء …لو توقف الامر عند هذا الحد لعانقها بعنف …
- يا الله …عادت تهمس بحرص …كما لوكانت ترغب في الحديث دون ان يصدر منها اي صوت …
- يا الله …الى اللقاء …قال واردف …
- …سأعود …او تأتين الي …ثم لقم نفسه لقفص الحديد …وعلق يده إشارة الوداع …ومسحت يدها بحركتها البندولية ضبابية المسافة وقسوتها …تحرك القفص بواسطة عجلات من الكاوتشوك مبتعدا عنها …تنهدت وهي تنسحب مع الارض بتباطؤ نحو مرحلة مجهولة ليس على عتباتها سوى ذكريات أيام رائعة وامل بعودتها ابهى واجمل …وصلت نهاية المنظور …التفتت …

استمرت السيارة في الابتعاد حتى تحولت مريم الى نقطة سوداء ثم غابت ….
بلع ريقه وادار ظهره …ماتت الموسيقى تحت اقدام الصخب المنتشر في فضاء السيارة …
- متى نصل الحدود ؟
- عم بفتشو ؟؟؟
- ماذا يمنعون ؟
- بم يسمحون ؟
- متى نصل ؟
وصغب عم داخل القفص الحديدي …وصوت سميرة توفيق يصدح …
بيع الجمل يا علي …..واشتري مهر ال إالي ..
وبيع الجمل يا علي

اقتربت الحدود وانشق القمر …هل يعرقلونني يا ترى ؟؟..كل ما هنالك انهم سيحجزون الجواز …ويعطوني ورقة لمراجعة المخابرات …ولن يحصل شيء …ولكن نظرتهم قاسية ..وتعاملهم صعب …هل نحن اعداء؟؟ هل يشكلون نقيضك حتى تكون بينك وبينهم هذه المسافة ….؟؟على العكس فأنتم اصحاب قضية واحدة ..ومصيركم واحد ..ولكن سوء التفاهم كبير كجبل من صخر ….والسياسة تمسح الدماغ وتحشو الرأس بالرصاص …لماذا عادوك ؟! ..في ايلول ؟؟! والنتيجة ؟تلك الهزائم …تلك الارتحالات ..تلك المكاتب …تلك البيروقراطية الثورية …تلك الانقسامات ….تلك النزاعات …تلك الصدامات …خراب المدن …تضخم الذات القيادية …جراء تنامي الاعداد المرتبطة مصالحها في القائد …ترهل الشعب الارعن …اللاجدوى …اللاجدوى اللاجدوى …الليل ..دخل الليل واقتربت الحدود اكثر واقتربت الساعة اكثر …وغاب القمر ….
- هاتوا الجوازات يا شباب …
هبط قلبه …هوى كنيزك …
في احدى امسيات العرق في احدى الخانات المكتظة على صفحة صمتهم التأملي …وحيث فتح الحديث عن الموت …خطر لزياد ان يسال :
- ترى لو خيرت في صيغة موتك ..فبأي طريقة تفضل ان تموت ؟؟
-هوووهووو ….صيغ كثيرة …في مواجهة عدو دفاعا عن وطن او بيت …او طفل او امرأة …في حضن فتاة جميلة اثناء قبلة ……
لم يبد أن ذلك راقه …ولم يقترب من خاطره ….فضحك ساخرا لتقليدية الاختيارات …ثم قال :
- نيزك
- نيزك ؟
- نعم …ان يهوي عليّ نيزك فأموت …تلك هي اجمل صيغ الموت بالنسبة لي ….
احتفظ بالصمت والهواجس …..وكان غيره اجرأ منه على الحديث مع السائق :
- انت ليش اعطيتنا اياهن ؟ ليش ما خليتهن معك بدل كل شوية هاتوا الجوازات خذوا الجوازات ؟!
- يالله بلا كثرة حكي …..

ثمة يتبع ما

حكايات ….حكايات

حكايات ….حكايات

اتذكر ……..

عندما زارنا الشيخ شعبان قال أبي :
- زارتنا البركة
سلمت عليه وجلست أمامه بطريقة مهذبة فأعجبته ونلت رضاه فسأل ابي :
- كد ايش عمر كنعان ؟
أجاب أبي :
- كثير, ثمانية
فظهر الفارق بين ثقافة أبي الابتدائية وثقافة الشيخ شعبان ياسين لكن الشيخ شعبان يجلس كثيرا مع الشيوخ ويحفظ الكثير من أقوالهم بلغة ركيكة , قال عفويا :
- ثمن سنين
ضحك أبي من كل قلبه وقال :
- ثمانية ألاف سنة
فغر الشيخ شعبان فمه تعجبا وهو ينظر الى ابي ,حتى نظر اليه ابي نظرة ذات مغزى فتعالى ضحكهما معا واستمر قليلا ودار بينهما حديث عن التاريخ وفلسطين والعرب حتى قال الشيخ وهو يتفتف :
- كان الرسول صلى الله عيه وسلم يقول ( اامروهم لسبع واضربوهم لعشر )
اذن فكنعان في سن الأمر بالصلاة ؟
قال ابي :
- تعلمت الوضوء والصلاة في المدرسة …مش هيك ؟
قلت :
- نعم
قال الشيخ شعبان :
- ما شاء الله …تشيف كنعان بالمدرسة ؟
أجاب أبي كمن تمنى هذا السؤال :
- لا يأخذها إلا الأولى .
قال الشيخ شعبان الياسين متعجبا :
- ما شاء الله !
قال أبي :
- يلا قوم توضأ وحضر حالك عشان تروح معنا على الجامع .

مشينا مسافة طويلة, كنت أراقب فيها نفسي. كانت ترق وهي تدخل فضاء قدسيا جديدا.
ما الذي سيحصل الآن ,بعد قليل , عندما ندخل بيت الله ؟؟؟
الا يمكن ان نخطئ في تصرف ما من تصرفاتنا ؟ في حركة ما من حركاتنا ؟؟
فيغضب علينا الله ؟ كيف يرانا الله ؟ كيف نعرف ان كان قبلنا في بيته ام لا ؟؟؟؟
رايت الجامع من الخارج , مميزا بعمود الاسمنت المرتفع من سطوحه يحمل الأبواق التي يخرج منها الآذان .
اتذكر ما قاله الاستاذ عن بلال .
والجامع مميز ايضا بانتفاخ البناء بشكل نصف علبة من الخارج على صورة قبر واقف .اندفعت بالفضول لرؤية هذا الشكل من الداخل فأسرعت نحوه فرايته من الداخل مجوفا وكان ذلك هو المحراب.
خلعت الحذاء وسميت ودخلت باليمين كما نبه علي . خشعت كما يجب .هدوء رائع كان يقبع هناك وشيء ما كبير لا نهائي يلفني كحضن دافئ حنون هو. المسجد نظيف وبسط لسجاد الناعمة التي صفت في المنطقة القريبة من المحراب والمنبر تؤكد ان الله غني وتزيدنا خشوعا اما ثلاثة ارباع المسافة المتبقية والتي تنتهي عند الباب فقد فرشت بحصر من القش تفوح منها روائح الاقدام المنزوعة توا مداساتها . سرت على الحصر العتيقة ثم على الحصر الجديدة فالبسط الرخيصة نحو صفي السجاد الثمين . واقتربت من المحراب . سحرت بتجويفه العميق ولونه الازرق الذي زاد من عمقه كثيرا والذي بدا لي كأنه اعمق نقطة في السماء ومع ذلك أحسسته قريبا مني .
قرات السطر المقوس المكتوب باللون الذهبي :
( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عنده رزقا )
عرفت انه قرآن كريم ولكني لم افهم المعنى كاملا. اعرف ما هو الرزق , وأعجبني رنين الكلمات في صدري خصوصا ( زكريا والمحراب ولكن من هو زكريا وما هو المحراب ؟؟؟ولأي غرض يستعمل ؟؟؟
وكذلك المنبر الذي يشبه الشرفة التي يصعد اليها سلم . اغلب الظن انه من الخشب لانه محاط بخشب محفور .
تعلق قلبي بالخوف والسكون .وتنبه ابي الى مستوى خشوعي فتطلع الي مشجعا وهمس باذني ان اصلي ركعتين تحية للمسجد . صليتهما وجلست انتظر الاذان ملفعا بالقداسة والخوف .

يوم الجمعة صعد الشيخ احمد على المنبر وكنت ارفع رقبتي كثيرا لاراه وهو يصعد درجة درجة ,كان يتوقف اثناء صعوده قليلا ثم يستأنف الصعود ربما ليدعو ثم جلس وقال : السلام عليكم .وعندما اكمل المؤذن الاذان قام وخطب .بدا صوته هادئا ولكنه كان يرتفع تدريجيا حتى صار صراخا فارغى وازبد واجهدت نفسي ان افهم شيئا من الخطبة فلم افلح .خفت من التهديد والوعيد من الله والرسول وكان الشيخ يرفع اصبعه ويهز يده كثيرا في وجوهنا . وعندما انتهت الخطبة بدات الصلاة ولم يستخدم المحراب في شيء وظل لا يستخدم في شيء اللهم ان الشيخ احمد يظل منه قريبا وهو يؤم بالمصلين واحيانا يدخل رأسه في مساحته ,.

الشيخ كنعان سميت .فقد واظبت على الصلاة في المسجد كما واظبت على حضور الدروس الدينية ,دروس احكام التجويد وفقه السنة حتى سماني الشيخ احمد حمامة المسجد ,لكن الخوف كان يكبر فيّ.الخوف من العذاب الرهيب الذي سوف القاه في جهنم مالم يغفر لي الله ذنوبي التي ارتكبي: الزنا والكذب وما فات من الصلاة والنظر الى ما حرم الله .

- ما هذا الذي تقول يا كنعان ؟انت تزني ؟ هل لحقت ؟ ام انت تهذي ؟

- نعم ازني الم يقل الشيخ فلاح ان العين تزني ؟ ثم الست من البشر ؟

كيف لا اكتوي بنار الاجساد الانثوية التي تأكل الصدر وتشد الاعصاب حتى تتشنج وتذوب وكيف لا اتامل تلك المراة القادمة الى حارتنا من عالم اخر ….تتحمر كانت,وتتبودر وتلبس ثيابا طويلة مثل ثياب امي ولكنها ملونة بالوان اكثر بهجة مشجرة بشكل مجنون تسير وحدها في الحارة متباهية بحمرة خدودها ولا تعير انتباهها لتقولات الناس وابتعادهم عنها بل نفورهم منها ,تسير لا الى جهة محددة ولا الى غرض بعينه ,تسير لانها تسير .وحين ترغب بالوقوف في الطريق تقف او الجلوس فتجلس وليس لديها مانع في الحديث مع المارين سواء كانوا رجالا او نساءا ,تعرفهم او لا تعرفهم .

لكن الناس يتجنبونها كأنها وباء فتواصل سيرها بطيئة وهادئة كأنها في حلم خرجت من اعتبارها طبيعية .وهي عندهم داشرة وهي عندي امراة من جان او ملاك ضل الطريق فظل حبيس ازقة حارتنا او هي عروس البحر التي سمعت عنها مرة في الراديو وتخيلتها .

نظرت اليها مرة لارى ان كانت هي عروس البحر ام لا ,فابتسمت كساحرة واشارت لي بالاقتراب منها فترددت ….خفت .مم ؟ خفت ان اغرق .ثم رفضت ولكني كنت اتعمد اختلاس النظر اليها .وكثيرا ما رايت رسغ قدمها واعلى من ذلك ,اجزاء من ساقها عندما كان ثوبها يرتفع صدفة عندما تحاول تجاوز سنسلة واطئة او حاجز منخفض وربما كانت تتعمد رفع اكبر كمية من قماش الثوب لتطل من تحته قطعة النعيم او قطعة الجحيم .

- لكن هذا ليس زنا يا كنعان .بالمعنى الدقيق للزنى !

-كيف ؟ يا كنعان .كيف؟

- الم يرد على مسامعك مرارا قصة المرأة التي نذرت نذرا هو ان تزني لو حقق الله لها امنية ,وقد تحققت .فاصبحت مدينة بنذر هو ان تزني .

فمرت من امام رجال ورفعت طرف ثوبها حتى ظهر جزء من ساقها فاعتبرت انها بذلك اوفت النذر ؟
- نعم ولكن لذلك حكمة في النجاة من الزنا باصغر الخطايا ,فذلك يساوي الزنا ولا يساويه.
- طيب! وحكايتنا مع ابنة العم زهرة؟! امن الذنوب الصغيرة تعتبر امن من الكبيرة ؟توازي الزنا ؟ام تساويه ؟
- وما هي هذه الحكاية يا كنعان ؟
- كان عمي قد زارنا قادما من البلاد بعد ان طردوه من بيته ليستقر هنا اذا وجد عملا .
تتراءى صور العم عبد الشكور في الذاكرة وهم يتناولون الطعام فاصولياء يابسة على ما اظن ,لونها احمر ورز لونه ابيض .الصور تتحرك ببطء الملاعق والحنين.سكون يتخلله حديث هادىء ثم ارتفع الصوت وتسارع ايقاعه عندما انفتحت القلوب وبدأ العتاب. بعد ايام وقد اوشكوا على الاستقرار وما عادوا ضيوفا , استدرجنا ابن عمي وانا اخته زهرة الى بيتنا ذي الغرفة الوحيدة بعد ان خلت من الاهل لنختبيء في اللعب ونسرق من الكبار اسرار الازهار كما سرقنا عن الاشجار نوار اللوز واعشاش العصافير ,كما سرقو هم زغاليل الحمام ليطبخوا عليها ملوخية زاكية .
كنت احرس له الطريق حتى اذا جاء شخص نبهتته, وعندما انتهى دوره في المرة الاولى اتيتها فوضعت خدي على خدها احسستني اهبط على ارض اخرى ,ارض من ورد واكتشف عالما اطأه بخدي فيرق ويلين كبالون بهيج ,وضعت فمي برقة شديدة وخوف طاغ على خدها الناعم وتمنيت لو اغفو, صور كثيرة تراءت لي , لكنها شفافة لدرجة البياض المطلق ,مختلطة لدرجة الغموض, ولكني ارتعدت خوفا فنهضت ليعود بدورته الثانية ثم اعود ثانية كانت مطيعة فقط لا توحي بشيء طريق وردي يتفتح امامي تتفتق الجبال والارض وبعد قليل سالمس روح البهجة , بعد قليل , ولكنه يتركني ويهرب , يا له من نذل , هكذا دون تنبيه او اشارة سلمني بكامل عتادي بإنسحاب جبان , الخائن , اقتحمني الخوف , بترت البهجة وبتر كل شيء ,نهضت بسرعة ارتجف , رفعت بنطالي وتحولت من ملاك طاهر الى حيوان نجس . حتى امام نفسي وهذا قدر يشبه الموت كما يشبه الميلاد تتغير الصورة ولا يجب ان نراوغ بلا فائدة بسرعة شديدة ادخلت الازرار الى عراويها وهو امر ما منه بد على اية حال ,سويت الامر تماما .ازلت اثار الجريمة كلها . وتظاهرت بالهدوء واللامبالاة وحصل نفس الامر مع زهرة . لكن الشكوك حامت حولنا كذبابات تتطاير في اكثر من اتجاه . كانوا ينظرون بإتجاه مصطفى وظل الخوف جاثما على قلبي مثل فيل ,الا ان الامر لم يكبر ويبدو ان القادمين اوصوا بعضهم بالتكتم عليه. لملموا الطابق , حتى الاستجواب لم يكن قاسيا او صارما كما توقعت , وكما سوف يكون عندما اكبر ويكبر معي العقاب .
- نعم هذا بلا شك من الكبائر .
- وهذا يهون اما بحر الخطايا الذي تسبح فيه الان وقد تخطيت سن الطفولة ولا تنس ان الله شديد العقاب .
- يا الهي !
- تجرأ يا كنعان , تجرأ واسال , لا تخف يا كنعان , اسال .
- اتنفع التوبة من الذنوب الكبير يا شيخ احمد ؟؟؟
- نعم قال الشيخ احمد ثم ضحك وعندما لاحظ الاطمئنان ارتسم على محياي قرأ ما في صدري وتابع وهو يبتسم :
- لماذا يا كنعان ؟ عن أي ذنب تريد ان تتوب ؟
- عن الذنوب الكثيرة المتلاحقة . وقد صار من الصعب السيطرة على الجحافل المهاجمة من الشياطين التي تعمل على اغوائي , انا دون الاخرين .
- لماذا ؟
- لاني اخذت اكبر واخذت تكبر معي الاسئلة فتكبر معها المفارقة , اخذت تكبر التجربة وانا لا استطيع ان اضمها بين ذراعي , وما عدت اخذها الاولى على المدرسة ولا عدت من العشرة الاوائل . شلالات رهيبة من المباهج الدنيوية تتراءى لي من خلف ملايين الجدران : الحب . الاغاني , افلام السنيما , الفتيات , النساء , البيوت الجميلة ,الملابس الجديدة , السيارات ,النفود, الفواكه , الوطن , الوطن , كل تلك , يحول الايمان الذي ما توقف عن النمو الا قليلا بيني وبينها الا بما هو مقنن ضمن الاوامر الدينية , والحلال بين والحراو بين , والحلا طيب الف مرة للطيبين المؤمنين الصالحين .
- لهم الدنيا , فليرتعوا فيها , اما نحن فلنا الاخرة , والله اكرم الاكرمين وقد وعدنا بجنة عرضها السماوات والارض .وبالحور العين .
- الله الله هذا هو الكلام الذي ينعش القلب . ز قال رجل حاد النظرات , ذكي المحاورة ليعيد الحديث الى ميدانه :
- اذا فكرنا بالذنوب , فذنوبنا اكبر الذنوب .
قال الشيخ :
- يا لطيف ؟ ! فقال الرجل :
- الم يأمرنا الله بالجهاد ثم اليس هناك حديث شريف يقول : اذا ضاع شبر من ارض المسلمين صار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة .
ما معنى فرض عبن؟ لا احد يعفى . ولا عذر لاي منا ,اليس كذلك ؟

من ذا الذي ينفخ في الطين فتتوهج جمرة الجسد ,حتى تكاد تشتعل وتشعل الارض ؟
من ؟ الاله ام الشيطان ؟
هل تستطيع اخماد هذا الجمر حتى تدخل الجنة التي حدثك عنها الشيخ مطولا ؟ليجعل منك مؤمنا تحظى بها ,فتقذف كل ما لديك من جمر ومن جنون في الحور العين .هناك بين انهار العسل واللبن والخمر ؟
-اليست الخمر حراما يا سيدنا الشيخ ؟ فلماذا يعدنا الله بها اذن ؟
- تلك ليست كخمر الارض انها لا تذهب العقل بل تضيئه وتسبب للمؤمن لذة حلالا .

هل هما صنفان مختلفان ام شيئان ضدان ,فاذا كانا شيئين مختلفين فلماذا يحملان نفس الاسم ؟ اننا نكره الخمر يا سيدنا الشيخ ؟ لانها كما قال لنا الله تعالى : رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ,فلماذا يعدنا الله بها ؟
- يجب ان تفهموا ان الله سبحانه وتعالى لا يعدنا الا بما هو طيب والخمر التي وعدنا بها هي خمر خاصة .خمر مباركة يتلذذ بها عباده الفائزون بجنته , عندما يطوف عليهم ولدان مخلدون .
- والولدان يا سيدنا الشيخ ؟
- اما هؤلاء فقد سخرهم الله لخدمة عباده المؤمنين وامتاعهم وطاعتهم .

لكنك بشر ,من طين . وهذا الجمر الذي يشتعل فيك سيفتتك ,مد يدك على الثمرة وتحسس نضجها تأملها وهي تفرعن كم هو الفرق شاسع بين حالتها هذه وذبولها تماما كالفرق بين حالة الموت وحالة الحياة .
تنتصب ثمرتك وتكاد تنطلق .تطير, الهذا سموها حمامة ولكنها ما كانت لتشبه الحمامة في شيء .

تحسسها الان لتعرف ماذا يريد جيش النمل هذا الذي يسير في اطراف جسدك متوجها الى تلك النقطة .يرمي نفسه في الجمر قرابين لاشتعال اللذة . احشد اذن ما لديك من صور وخيال تسارع بها نضوج اللذة فتقطفها . مد يدك وادفع بالمسيرة الى الامام , تأوه ,تلو ,ارفع جسمك للاعلى ,اشحن الجمر , اشحن , ها جسمك يرتفع في الفضاء , شعرة واحدة فقط تربط بين اصبعي قدميك الكبيرين والارض , النشوة تأتي حزينة ,ولكنها تحملك , ها انت تطير , تغيب , ثم …ثم …ثم …ثم يتفجر كل شيء
تسقط تندم , كمن سكبوا عليه برميلا من الماء .

حافة ندم
- كنعان بلغ . تقول امه بلهجة بوليسية وبصوت خفيض
- شايف صوته , صار خشنا

هز ابوه موافقا , وغمز بشئ لم يفهمه كنعان
لكن كنعان انتهز اقرب فرصة وكرر التجربة
- ستكون الذ من المرة السابقة,
- كرر
- اندم
- كرر
- اندم
- كرر
- اندم
- صارت هي عادتك ……….السرية

آه من ينظفنا من هذه القذارات ؟
انزل من الجنة اذن , وانك من المهملين الى يوم الدين.

.
——–
اعد نفسك للحياة
- لم يكن لهذا العالم رغبة في استقباله ,لم يأتي اليه عنوة,ولم يأتي اليه على الاطلاق ….كنت سأقول ( وقد رفض المجيء ) عنندما قلت ( ولم يأت اليه عنوة ) ولكني اكتشفت اني سأكذب ,لانه طرق الباب اكثر من مرة وقدم كل التنازلات والاستعدادات اللازمة حتى غير اسمه من عبد الثورة الى عبد اسادة ومن عبد الحب الى عبد الخوف ,لكن الله حرم مجيئه ورجال الامن حاصروه , والعشيرة لوحت بخناجرها التي تطهر الشرف الرفيع من الاذى ,فانسل هاربا في كبوت المطاط الذي صنعته التكنولوجيا وحرصت على ارتدائه …
- أهذا الفلش ليذر اصلي
- نعم
- اذن هو من صنع الولايات المتحدة الامريكية
- نعم
- مفعوله مضمون ؟
- نعم ,ينفع لقطع دابر كل احتمال بالحياة .
- وكم ثمنه؟
- مكتوب , انت تعرف اسعار الصيدليات ثابتة .

* * *
- ولم الحياة والوطن محتل ؟
-يأتي من اجل الوطن ويحرره, او يحمله على ظهره او في قلبه ويطوف مدن الملاهي وحقول اللوتس
- والحراس يا سيدتي ؟ الحراس ؟
- آه صحيح ,الحراس , ولكن هاهو يهدد بالمجيء
- يبدو انه آت عنوة , وتلك مصيبة.

* * *
قالت ونحن اسرى الخوف والانتظار , قالت ونحن في دوامة البحث عن مهرب للحب / الخطيئة , قالت ونحن نستعجل دورتها الشهرية التي تأخرت عن موعدها للمرة الاولى …
- هل أبت المجئ ؟
- لا ….بل تعززت !!
- بلغيها اذن حجم غلاوتها , واستعجليها لنغلق ابوابنا في وجه اول خلايا الفارس القادم

تدفق ايها الدم القذر فالعقم اجدى بين ابناء القبيلة والخناجر . قالت وانا اتساءل عن موطن الخطوة الاولى لقتل الابن , وعن وسيلة اجهاض التاريخ .
قالت
- لدي فكرة
- الي بها
- رويدك
- قولي بسرعة
فتمردت وصاحت بصوت هادئ لم يسمعه في الشارع غيري :
- يا رجل الشرق الارعن ,متى تكف عن اوامرك البغيضة ؟ قلت :
- يا سيدتي , متى تكفين عن اساءة فهمي ؟ … والله لم آمر ولكني شديد التوق لمعرفة افكارك النيرة .قالت :
- وتتمسخر ؟! ثم احرنت وظلت معرضة عن الافصاح عن فكرتها حتى لقاء قرب منه السفر

ولكن الدورة لم تأت ولم تستجب لكل النداءات الموجهة من المنظمات الانسانية والهيئات الدولية , وحافنا ندم شديد على اقصى مغامرة فرح في العالم ,خضناها في تلك اللحظة التي اشبعت بضحك عاري وبلوري, ضحك ازرق مموج كصفحة البحر
- اين ذهبت بذور الجوافا ؟ سألتها فارتفعت ضحكتها كموجة اغرقتني بالنشوة .
- لعلها تسربت داخلك .قلت وانا اتابع البحث والتقصي , فضحكت , وقبلتها وضحكت ولم ينل القلق من نشوتها ولا الارباك من فرحها .
- ستأتين لنا بابن حرام .
فرطت من الضحك , لملمتها وارتديتها طوقا وطوقتها ولكنها عادت فانفرطت من النشوة الغامرة , عدت فالتحمت بها بينما يغمرنا طوفان الضحك وينهمر علينا مطر الحب مباغتا متلاحقا كالموج السريع وعند كل مباغتة تشهق :
- او ابنة حرام .
- ههههههههههههههههههههههههههههه …أهي اهي اهي اه اه اه اه يا خيي يا خيي ااااااه اههههههه هه هه ههه
- عجلي بها او به كي يتألق العالم …واصلنا مسيرة الضحك
ضحك
ضحك
ضحك
ضحك

ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك ضحك
تعب ..لهاث … تعب ..لهاث … تعب ..لهاث … تعب ..لهاث … تعب ..لهاث …استوينا
استسلمنا …………………للصمت ,……………………للسكون ……………………….
صفى الفكر ………………. راحت السكرة فجاءت الفكرة ………………تعكر المزاج بإيحاء يسبق الفكر بنسبة الفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت .

- ماذا جرى ؟ اين ذهب النسغ ؟ وانا لم اولج داخلك ….ظل الحرص على الحب يرافقنا رغم ثقل دم الحرص لكي نمنع الحب من تجاوز الخطوط الحمراء ؟!
- الذنب ذنبك لم لم ترتدي الكبوت …أما كان ذلك انجى ؟؟؟
- سس اخته ,رائحة المطاط كانت تفسد علي نشوتي برائحة عطرك .
- حسن ,لكل شيء ثمن, تحمل النتيجة ,نتيجة الفرح الغامر
- ولكنا كنا في غاية الحذر , ولو اتى اربع شهود ومرروا بيننا خيطا لمر مرور الكرام ونفى عنا جريمة الزنا ,,,ولكن اين ذهب اولاد الكلب ؟؟
ضحكت بنشوة ثم قالت :
- لا اعرف ؟
ثم ضحكت …فقلت :
- الم تخطفيهم بربك ليكونوا رهائن ؟! فنحن في عصر الرهائن .
قالت وقد عادت تغطس في الضحك معطية ظهرها للعالم :
- فتشني ؟
- رحمك المرمري يا سيدتي لا يطال …
- سمعتهم يقولون : يمكن للنطفة الحاملة لارادة الحياة ان تخترق الحواجز .
- هكذا قالت اميرة ايضا يوم تاخرت دورتها وخافت رغم الحرص الشديد ايضا …لكنها اتت في النهاية …لكن هذه الحياة تاتي على عربة الموت ..!
قالت بتلقائية :
- نموت فداء للحياة .
قلت بلا مواربة :
- افحمتني يا ربة العشق….وتوهجت فحمتي في نار جسدها الرقيق …وتقلبت فراشات روحي في موقد روحها حتى انطفأت كل النيازك وذبلنا …كأن وعيي صحى عليها وهي تخرج من الغرفة ثم تعود وتقول :
- لا ابناء لك في ذمتي .
- ماذا ؟
- غادرت بذور الحياة الجديدة جسدي فاطمئن …عصرته حتى برأت ذمتي …
- بل برأت ذمتي من احتمال الحنّون …الله يستر عليك يا مستورة
- خلي المستور مستور …
- ساد فرح الاطمئنان في جو الغرفة وانتهى التوتر , وارتفعت الموسيقى حاملة طيور الحب الى افق بعيد …مخلفة سعادة غامرة في قلوبنا …

لكن الدورة تأخرت كثيرا فتراءت لنا الفضيحة قادمة من بعيد ببريق سيف بتار …وتمنعت هي عن قول ما لديها من افكار امام هذا الشرقي الحامل سوط الالحاح …الشرقي الأمار …حفيد شهريار …وانما اومأت فقط الى بطنها , فقلت لها :
- يا بنية …كيف اكلم من كان في البطن خفيا ؟؟

* * *
من ذا الذي ظل هناك يطرق باب الحضور فينشر الرعب في اوصالنا ؟؟قبل ان ابدأ مشروعي ؟ من ذا الذي يلوي ذراعي ليعطفني ويربطني بالزواج فينتهي الحب وتضيق السماء ؟؟؟

لست للزواج انا
انا للحب :
- انا لا اقبلك الا اذا كان فمك على صورة طائر .
وقالت :
- كل فم عل صورة طائر يا شاطر !!!!!!
- فلم اذا لا ينشد كل فم انشودة الحرية ؟ كما قال الشاعر !

الم اكن صريحا منذ البداية ؟ الم اعلن ذلك لكل الذين تعرفت عليهن ….الم اشرح فهمي للحب على انه الحب اللا مشروط بأي شرط/اللامربوط بأي ربط . وليس له علاقة بالزواج . الزواج زواج والحب حب . وكان هذا غريبا وسبب لي الكثير من الالم اذ خسرت الكثير من علاقات الحب المرشحة للاستمرار , كم من فتاة احببتها من كل قلبي تتعلق بي واتعلق بها . ولا البث ونحن في غمرة الحب ان اسمع نغمة الزواج تطنطن وتشوش ما يبثه الحب من احاسيس . وفجأة اجد نفسي في دهاليز التلميحات التقليدية: جاءني عريس ,ابن عمي يريدني واهلي يضغطون علي لاوافق ويهددوني بالقوة . وما الى ذلك من كيدهن العظيم . ولم يكن بد من اخذ تلك التصريحات امامهن على محمل الجد ,فكنت اظهر المي , والعن قسوة الحياة التي تعيشها الفتاة الشرقية , وانسحب قائلا ان مستقبلي مجهول , وانا مرشح لمغامرات كثيرة قد يطلب فيها راسي , افكر في ان اكون مخرجا جادا اطرح شهادتي في هذا الزمن العاهر , اعري عوراتكم جميعا علكم تفكرون ولو قليلا . ومن اجل هذا ظلت عيوني معلقة على ارصفة بعيدة اطوفها كل يوم. اتبين مطارحي هناك . اذ من المحتم انني سانفى من المنفى الى منفى الى منفى .. ومن المحتم انني ساجوع واعرى واهان وقد اعدم …
هي لم تتخل عني …من قلبها احبتني …تساءلت عن مصير العلاقة وتنبأت بحتمية النتيجة المأساوية , اتفقنا على ان نوقف العلاقة …فما استطعنا …ظلت تمدني بطاقة العشق التي جعلتني اتفجر فكرا وشعرا وحياة رائعة , ظلت تسمعني وانا افلسف الكون والحياة واكتب القصائد غير الصالحة للنشر واحلم ……….
تغيرت كثيرا …وابتعدت عن الناس وتساءلت عن جدوى علاقاتهم , وهل فيها من العمق والروعة كما في علاقتنا !؟

بارود وموت

خيام اللاجئين ,رماد التاريخ والحضارات ,رماد الانسان ,شرانق دود نحو الفينيق .

اخلى المكان نفسه من بعض العناصر ووفرت الشرنقة التي قذفتها وكالة الغوث للسكان بعد ان اجتثوا من جذورهم الازلية ….وفرت الحد الادنى من امكانية التفاعل العضوي ,

فتحرك الدم الجامد وتوهجت الروح بالنشوة فانطلقت من تحت الرماد نطفة الحياة

حملت الارض

جئت لابدأ مساري الجديد في جغرافيا جديدة عليّ غريبة على التاريخ : لا الحياة ولا الموت ,لا النور ولا الظلمة ,بل تلك المنطقة الواقعة بينهما على الارض, خارج الارض

لتحملها يا جمل المحامل , ايها الجسد المتعب كآدم : تحت التراب تحت الرصاص تحت الملوك ,تحت الجنود …

في المنطقة المسموح بها للتشرد ………

ضاق خلق السيد /المختار ,سيد الربا والقمار, سيد الذهب والغاب ,نفذ صبره فخرج عن صوابه وصاح :
- كيف جاء ؟؟
جاؤوا له بالخطة القديمة , وبعد الاطلاع عليها طلب تلك الضبع الكسول التي تلكأت في اخذ روح الطفلة كثيرة البكاء التي ستصبح امه بينمت كانت مرمية في بطن ذلك الوادي المقفر في عز الليل .

قالت الضبع :
- امها ,جدته, هي السبب , سبقتني .
قال خاله طويل القامة ,معقوف الشارب الفقير,الاسمر , الاغبر ,العامل في تفتيت الصخور لاستخراج كنوز الارض لناهبيها ,في لية صفا بها البدر , قال بعد ان غرس كوعه في مخدة يابسة :
- كنت تبكين كثيرا وانت صغيرة , ايام البلاد , كنت تحرميننا النوم , كان ابي يتذمر كثيرا , صار يكرهك ,حتى نوى التخلص منك جديا ,وهدد امي بذلك فظلت تحرص عليك وتخاف منه , ولكنها كانت خك نوم , امك كانت اذا نامت لا توقظها المدافع حتى استطاع في ليلة ان يأخذك من حضنها ليرميك في الوادي , لكنها استيقظت بعد ذلك بقليل , لا ادري ما الذي ايقظها !!! ربما السكون , فتحت اذنيها فلم تسمع اثرا لصوتك او صدى له , وتحسست يديها فلم تجدك بينهما , افاقت مذعورة ولما لم تجدك فعلا ارتعبت وصاحت ((عملها المجنون )) وراحت تركض نحو الوادي .
كانت فيه عنزة ميتة , جيفة كان ابي قد وضعك قربها , من مسافة بعيدة سمعتك تصرخين , يأتي صوتك متقطعا في الريح متجمدا في البرد فيصل كالمواء مستنجدا , (( كطع مصريني )) قالت امي : ((…ركضت عليها يا ويلي , كانت تموت من البرد , اخذتها بسرعة ولفيتها بثوبي , وما لحقت اصل لفوق الا والظبع تمشي , وصلت الظبع العنز الميتة , اخذتها بفمها وراحت , ما ظل براسي عقل , حطيت شفالي ( ثوبي ) بين اسناني وقلت يا الله ,بس ظليت طول الطريق ورايحة اظل طول عمري افكر كيف طاوعه قلبه وخلاه يرميها هناك ,لانه لا يعمل هذا العمل الا مجنون ))

قال الخال بعد ان روى وتأمل ,وبعد ان انتهى من لف سيجارة الهيشي ومن مسحها بطرف لسانه وقضم حبيبات من اطراف ورقتها :
- عدة امتار بس كانت بينك وبين الموت . قال خالي :
- لو سبقت الضبع ستك الى امك لما جئت من بطنها .وضحك .
هذي الحياة ركض دائم , ومن يسبق يفز …فكرت امه وردت :
- لجاء من بطن اخرى ,وضحكت …وضحك الجميع .

تظل هي ارادة الحياة ,تنبثق بقوة هائلة , كشلال الماء الهائج , حتى تجد منافذها …
فكر في نفسه وانهالت عليه الاسئلة المستحيلة …….

**********************************
بصوت الرعد صرخ سيد الشعب المختار :
- هذا تافه , اعلم به , وقد امرت بقطع اثداء كل الامهات الحنونات , وامرنا بصناعة العلب للمزارع البشرية , انا اسأل عن المصدر الاول , من اي ظهر جاء النسغ ؟؟
جاءت الملائكة وفتحت عينيه على بقية اجزاء الخطة :

في سيارة شحن كبيرة هربنا , مثل الغنم المذعورة تراكضنا هاربين من الطيارات والبابات , وكان الرصاص شو؟!طططططططططططططططططططططططططططط …كان ابوك معنا , بس كنا بعدنا مش متزوجين , بس كنت مقيدة على على اسمو بدل عمتك اللي تزوجها خالك ….في الطريق اشر اليهود للسيارة وطلعوا … صاروا يعسعسو فينا مثل من يشتري غنما …بقيت البواريد بايديهم وكنا عزلا … بقوا يرفعون البواريد ويبحّروا فينا بكل وقاحة …وكنا نوطي روسنا من الذل …قال واحد منهم وجهه بشع : : انت …انت …وانت …وانت …وانت …وانت …وانت …انزلوا . كان يؤشر على أفتى الشباب واينعهم واكن ابوك واحد منهم .
من بين حسرات النساء نزل الرجال ……تمهل ابوك شوية ……….. وشوشته عجوز فانحنى وارتمى بارض السيارة ولبد …
ما بين لانه قصير … غطته النساء باثوابهن الطويلة حتى اخفينه …
مدينا رقابنا نشوف مصير اللي نزلو …شفنا بعيوننا اليهود يصفونهم صفا بجانب بعضهم بعضا …وفي دقائق قليلة رشوهم بالرصاص ؟….ذبل شبابهم …يا عيني …بلحظة ….وناموا على الارض …ليوم القيامة يا حسرتي ….والله الله من فوق نجاه…لكنه كان رايح فيها …

**********************************
زمجر مناديا على الجندي الغافل :
- اعمى كنت ؟؟ اما تنتمي الى الشعب المختار ؟؟؟كيف نفذ من بين الرصاص ؟؟ اي اختيار فيك ؟؟
‘طأطأ الجندي معترفا بذنبه وقال للسيد بلهجة عاقة :
- دع هذا الخطأ يسجل علي في الهامش المتروك لنقاط الضعف الانساني …فمهما كنت مختارا ..الا انني في النهاية بشر يحتمل ان يخطئ….اليس كذلك ؟؟؟ واعدا ان لا يتكرر ذلك ولو اضطررت لحرق الارض …

ادار السيد ظهره متجها نحو فضاء النافذة وهو يصرخ :
- وما الفائدة ؟؟! ها هو يكتب لينشر على الملأ …………

صاح الحاضرين مقاطعين برضى السيد …منتهزين فرصة لتملقه … ونيل رضاه :
- طزززززززززززززز
وضحكوا بصوت هستيري ثم فاحت رائحة جلود المقاعد والاحذية
قال ابن الجندي العاق للسيد :
- ارنا شطارتك ؟؟؟ الارض لك والجولة ما زالت جولتك …لم تسمح له انت ؟؟؟

ضرب السيد وجه الشمس العلق على النافذة كطبق القش الفلسطيني وقال :
- اين هو ؟؟؟
ردت الملائكة المرصعة بالنجوم قائلة :
- على الهامش

التفت الى ذلك المتحذلق الذي أثار حنقه وقال له على مسامع الجميع
- ارأيت ؟ سحبنا منه كل مميزات الحياة …وامتيازات الانسان …سحبنا منه الارض والعالم …نفيناه الى الهامش …حتى ملامحه سحبناها …اسمه شطبناه واغلقنا في وجهه الابواب كلها وابقينا له على رمق اخير لنحرمه حتى من الموت …

غير اتجاه الحديث باحثا عن حل للغز معقد وقال بينه وبين نفسه :
-ابقيناه في الهامش ليرى الحياة من بعيد ويتعذب …

تابع بعد برهة صمت :
-….ومع ذلم فهو لم ييأس بل ظل مسكونا بهاجس الكتابة .

ضحك الجميع ليخففوا من كدر سيدهم وقالوا ساخرين :
- يؤمن بالتاريخ …هاهاهاهااااي
-وماذا يصنع غير ذلك …دعوه يكتب فعلّه يفوز بجائزة نوبل للتاريخ او الاداب …
غمرت شاطئ المتوسط موجة اخرى من الضحك .
قال السيد وهو ما زال واقفا على النافذة دون ان يشاركهم الضحك :
- استدعوه …وهددوه بالموت ….حتى يموت من الخوف منه .

******************************
ضاق المكان ولم يبق حيز ضئيل يؤوي هذه الروح / الجثة الهائمة المحمولة على هذا التابوت / الجسد المكتوب عليه الطواف الى يوم يبعثون .
يحوم يحوم هذا الجسد .
باحثا عن مكان ,
لهذه الروح …
- بصحتك
-بصحتك
-ترن ن ن
- بصحتك
- تك
- بصحتك
- ترم بك تك تشك ……
اليانسون يفرض نفسه على مجموعة الروائح المتقاتلة في فضاء غرفة الفندق …سحب الدخان تنطلق من فتحات الانوف والافواه وتتسامى لتتكاثف فوق …قريبا من السقف وجوانب الجدران العالية تكاد تغطي الجداريات المعلقة على بوابات الروح ….
- من ام نجت من الموت جاء
- من اب نجا من اليهود بمعجزة
- تآمر الموت واليهود عليهما
-تآمرت الحياة عليه فاستدرجته …
- بصحتكم
- هات ..حدّثنا
-………..
- انا اسمع
- ………
- ما الامر ؟؟؟
- يشترط الاصغاء
- نصغي طالما اتينا بايدينا الى هذه السطور
- يشترط التوحد
- ليس له ذلك الا في الحلم
- او في الازل
- او في الابد
-او عندما يدور الكاس في الراس
-يشترط اللاخيانة فسوف يبوح لنفسه في حضرة الكأس والندماء .
- له ذلك ان لم يكن يهوذا بيننا !!!!!!!!!
- او لم نكن يهوذا كلنا …..
- ان لم يكن ………
- بصحتكم ..

قال :
- لم يكن لهذا العالم رغبة في استقبالي …ولم يكن له رغبة في احتمالي وما اتيت عنوة ولكني ولدت من الخوف وعشت فيه ….كنت سأقول ( ولم احتمله )….عندما قلت وما اتيت عنوة …ولكنب اكتشفت اني ساكذب …لاني متشبث به كما البطة البرية بالطين …واحتمل قذارته كما الجرذ …وهل ما يدعو للكذب …!! طالما لا انوي سوى تعرية قلبي لتتراءى لكم احدى الشهادات الشهيدة في زمن اليهود والخنازير …زمن التجار واللصوص …وليس من غرض سوى تفريغ الذاكرة لاكتشاف الحقيقة او تبين طيفها …ولتذهب الحكايات الى الجحيم …وليذهب الشعر الى تجار الاعلان …واي شعر أشعر …أملحمة هوميروس أم مذبحة دير ياسين ؟؟؟!!! أضارعات ايسخيليوس أم نساء تل الزعتر …؟؟؟ أأوديب ام ملوكنا ؟؟؟

عليّ اذن ان ابذل اقصى ما لدي من طاقة لاحسن عرض الاساطير التي مرت على قلبي …اليس من اجل هذا تشبثت بهذا المستنقع ؟؟؟….. واحتملت الخوف والجبن والذل …احتملت المنافي والوطن …انا الذي ادمنت الحلم وبعثرت عمري في الطرقات ابحث في التراب عن وطن اسمه فلسطين وفي عيون الصبايا عن وطن اسمه الحب …انا الطافح حتى حافتي العليا بحلم يوحدني بصورة الانسان الضائعة في زمن العهر والامم المتحدة وحقوق الانسان ومبادرات القهر والاستسلام ….واعرف انه زمن اليهود …ولكني ما زلت رغم كل ذلك انتظر اليوم الذي سأشهد فيه عيد الميلاد الذي وعد رامبو (( آرثر) به الارض …وأعد كل شيء : الحزن الخمري والالم الحاد …..القلوب المعذبة والمعد الجائعة …العيون الشرهة والاجساد الشبقة …الشاطئ الوردي والبساط الازرق …انتظر رغم انف الف صبي يأتون في نهاية كل يوم ليقولو ان اسيد ( غودو ) يعتذر ولن يأتي …انتظر رغم انف الف بيكيت ومليون اونيسكو …نافضا يدي من اليونسكو واليونيسيف …نعم انا الذي ولدت في خيمة من الغيم ومن المطر …وقطع لساني قبل غلفتي بسكين والدي الحاد وانكسرت عيناي بنظرات امي الحادة …وامتلات رعبا من الخروبة ولباس العسكر …وضبعت من ابناء المدينة الوقحين …سائقي الباصات وبائعي الكعك ذي الرائحة الشهية والليمون البارد والفلافل الفاترة والاحذية الخفيفة …بائعي تذاكر السينما التي ادمنت فيهخا صدر سميرة تووفيق وسيقان نجوى فؤاد …واشبعت من مراحيضها رئتاي من رائحة البول المنبعث من الجدران المهترئة من رش الانابيب اللامسؤولة …نعم انا الذي نصبت ملكا على مملكة الهزائم …وختم وجهي بالحزن الابدي …متشبث بهذا العالم قابض عليه بأسنانس واعلم انه ليس لي وانه لا يريدني وانه قتلني مرارا قبل مجيئي ….

استيقظت الذات /الموضوع وحالوت رسم الحدود

- لكن لماذا

استغرق النفري :
- لماذا لم يكن يريدني هذا العالم ؟؟؟ ولماذا لا يريدني ؟؟

استغرق النفري :
- لماذا لم يكن يريدني هذا العالم ؟؟؟ ولماذا لا يريدني ؟؟
- وهل نفذت له ارادة مشابهه في احد غيري ؟؟؟……
- نعم لي بذمته كل الاطفال الذين لم يأتوا , سكان العالم الذي جئت من اجله …لي بذمته كل الذين قتلت امهاتهم وهم اطفال بين الجيف بأيدي اجداد جهلاء , او بأيدي الفقر والجوع وانواع البلاء …لي بذمته الذين قتل اباؤهم برصاص الغزاة …لي بذمته ايضا اطفال العالم الذي مات في الاطفال المقهورين ..وما تسللت من صحوة الجدة النائمة وغفلة الجندي المرتزق الا لأطالب بهم جمبعا ..
- هو هووووووووووووو ه …انت تذهب بعيدا ..
- هو هووووه … انت مثالي …
- نعم , نعم , هذه مثالية …

يتحرك الديالكتيك في الطفل قبل التعرف على هيجل وادراكه
- هل هذا الوعي او بذرته موجود فعلا او كان موجودا في اللاوعي ؟؟!!…
وهدف المجيء ؟؟؟ متى يرسم ويحدد …متى ؟؟
- ولكن ؟!! …ماذا لو لم اجيء ؟؟!!……
يفرط العالم من الضحك ويبث عبر الاقمار الصناعية تعليقا بسيطا …
- طزززززززز

فرعون فقط يقلق لتساؤله ولا ينام …

كنعان يغوص في العالم بحثا عن ذاته وتوقا لامتداده …
- ترى ماذا لو لم اجئ ؟؟!! كيف سيكون الامر بالنسبة لي وللعالم !! هل اتألم لو لم اجئ كجميع الاطفال الذين لم يأتوا …! ولكني لن اكون موجودا على الاطلاق ..فكيف اتألم !! كيف يتأم غير الموجودين هؤلاء !! هل هو احساس بالموت اذا ؟؟!!… هل سيبدو الامر نوعا من الحزن …؟؟ نوعا من الحرمان ؟؟..

- اين كنت سأكون لو لم اجئ؟؟؟
- اين ذهب الاطفال الذين لم يأتون ؟؟
- هل تتمكن قوة الرصاص من طاقة الوجود ؟؟ هل تتمكن من الاحاطة به ؟؟؟ هل الموت اقوى من دورة المصارعة الطويلة هذه؟؟؟
- هل كنت ساكون لا شيء في لا مكان لو تمكنت من ذلك الشاب ( ابي ) تلك الرصاصة ؟؟ ما طعم ذلك ؟؟ وما هو شكل العالم لو لم اجئ؟؟
كيف ستكون الصورة ؟؟ هل تفتقدني ؟؟ هل يمكن لها ان تعبر عن ذلك ولو تملقا يسمى مجاملة ليكون قطع الطريق على وجودي منغذا ضمن البروتوكول الرسمي حسب اخلاقيات العالم الحر : نعم للحرب لا للارهاب ؟؟ فيتو لاية ادانة للعنصرية والصهيونية ,نعم لحقوق الانسان كما تفسر في القاموس الصهيوني .
- هل يظل مكاني فارغا لو لم اجيء ام لا بد لاحد ان يملأه ؟
- من هو ؟؟
-نسل من الذين رشهم اليهود لو لم ينزلوا من تلك الشاحنة ؟؟ او لو نجا واحد منهم ولم ينجو ابي ؟؟
- ام يملأه محتل يهودي ؟؟
-آآآآآ … في هذه الحال كان يجب ان آتي باي ثمن !!
-هل هذ الموقف سياسي ؟انّى لي ان اعرف ؟؟ ولكن , هل التفكير بهذا الاتجاه صحيح ؟؟ هل الصورة مبنية على هذه الاحتمالات اللانهائية .
-لماذا جاء هتلر ؟ولماذا جاء اليهود ؟ هل من جدوى في البحث في احتمالات صور الوجود ؟ ام هي المواقف السياسية التي ترسم ملامحها ؟؟
- اريد مكاني في العالم …اريد الوجود …
ولكن يجب ان لا احتد كثيرا فقد جئت .
ولكن , بعيدا عن مكاني

—————–
التكوين
المرجع للحكايات …

في عالم ممسوخ وجدتني ….لا ادري كيف قُبل لي ذلك …لم استشر …ولا ادري ماذا كنت ساقول لو استشرت …ما وافقت حتما …ولكن مع ذلك لن يكون لي في لحظة كتلك رأي او قرار ….نقي صاف كالعدم …ليس من شيء سوى التشبث بالوجود …هذا هو المطلق …ولا علاقة لي بالنسبية …لم اكن معنيا باللذة او المخاض …بين الغمز واللمز كنت التقط بعد تفتح البرعم …اشارات عن اسباب الحمل والولادة …واكثر من مرة سمعت امي تردد ان مجيشي من بطنها كان سهلا مثل انزلاق السمكة ……………

- عد الى النقطة الاولى ….تبين ذاتك في اعماق الذاكرة …وطن الحواس الاول…
-سيلتبس الامر …يختلط الزمن ؟؟؟لان النقطة الاولى انسجمت فتاهت في النسيج او تحققت على نحو اكمل
-حاول تتبع اول الخيط
-لم تعلق حاسة الشم شيئا في الذاكرة …لا اشهد على رائحة صرت اعرف ان حجرات الولادة ( حجرات بالمعنى المجازي …وعلى الذهن ان يعمل على تجنب الصورة الباذخة التي تولدها هذه المفردة الباذخة ايضا ….كان الاجدى ان اقول اخمام جمع “خم”) تعبق بها , كالقرفة واليانسون والحلبة الاشياء الاخر …لكن اقدم الروائح المتروكة على جدار الذاكرة هي التي تندر الان واحن اليها : رائحة الجوافة التي كان العم ابو محمود يأتينا بها مع القنافذ الشوكية…من المزرعة التي كان يشتغل بها حتى عودنا ان نظل كل يوم بانتظاره في المخيم …ليأتي فننتعش برائحة الجوافة وتبدأ جولتنا مع المخلوقات العجيبة …
كانت تحولات القنفذ تذهلنا …هي يختفي بجلده ؟ ام هذا تمرين للبصر / نوع من السحر ؟ سحر الالوان الذي دار برؤوسنا منذ الايام الاولى لاكتشافها . في خابية الذاكرة الوان كثيرة لها لون السحر المتذوق جيدا منذ سن الطفولة لكنها اختلطت بالوعي وشحب لونها :

لم يبق في الخيمة الشرنقة لون يلملم بسرعة الزمن البطئ …لا لون للخيمة …تقول الذاكرة …ولا حدود لاشيائها فهي متجانسة مع لون الارض والفشاء …ولا شيء فيها سوى ما هو ضروري لسد الرمق …ولا يكتسب لونا ..وكالماء كل شيء يوحي بالنظافة / الطهارة بالمعنى المطلق …
الماء لا لون له …الماء شفاف …الماء تلك هي القوة التي استعارتها امي الناجية من الضبع لتسيطر على ادواتها وتدير منزلها فتجعل كل شيء نظيفا حتى يذوب باللاشيء …
اما خارج الخيمة فبحر من التراب الذي يتماهى لونه بلون اجسادنا …وكنا ننقب عن ارواحنا ونسبح فيه كثيرا حتى يدفعنا الفضول للغوص بحثا عن جواهر ذواتنا فنعثر على قطع من الزجاج المكسور بالوانها الشفافة المتعددة : ازرق احمر اخضر اصفر ابيض …ونبتهج زنلعب بها …نكوّن اشكالا مثيرة …نرتبها …نبعثرها …ولما اكتشفنا بهجة الورق من الطلاب الذين يكبروننا سنا …ويذهبون للمدرسة كل يوم تعلمنا كيف نصنع فانوسنا السحري …
نعمل علبة صغيرة من الورق ونملأها بقطع الزجاج الملونة ثم نلف ورقة مثل سيجارة كبيرة فارغة وندخلها في فتحة علبة الورق الصغيرة …وكنا ننظر من طرف الورقة الملفوفة الاخر بعين واحدة ونغلق الاخرى …فتتمالكنا الدهشة من روعة ما نرى من اشكال والوان مذهلة ….

الله ! انظر شوف …هز علبة الورق فيتغير المشهد …مذا ترى ؟؟ هناك هناك ….في نهاية المنظور ….الله ! …ارني …يا الهي !!! يا اله السموات !!
ثم نرقص من الفرح …كثيرا حتى يأتوا على سيرة الحرب فتهرب الالوان زاتساءل عن لونها ….فيبدو مختلفا …يتراءى نقطة سوداء بعيدة جدا وتضعف الذاكرة عندها
ولا تستفز الا بكلمة ( اليهود) فتنشب الحرب ويعلو صوت الخراب ….
لون اليهود اصفر متقيح …انوفهم طويلة وعلى رؤوسهم برانيط قاسية .لا انسانية ,يحركون بها الحروب .وبالنساء .
رمادي لون الحرب اثناء لونها بالذاكرة …وطعمها كذلك .أما عندما تستيقظ وتاتي من خارج الذاكرة …من الواقع …فانها تكون سوداء تماما …حمراء تماما …رمادية تماما ….
ترتفع الى اعلى لتكشف عن مقابر وجثث مكشوفة ومستنقعات من الدم الطازج وقروح بليغة ….كما تمتلء باصوات المدافع التي تنزل من الاذن الى البلعوم الى الصدر الى المعدة حتى يصاب المرء يالاسهال ويذكر يوم القيامة …فيركض باحثا عن ملاذ …وتذهل كل مرضعة عما ارضعت …وتضع كل ذات حمل حملها …وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ….

- هلل كبر , جبل مكبر
-في البحر ح نقذفهم
- بمشيئة الله
- اسقطنا للعدو احدى وعشرين طائرة
-هي ي ي ي ي ي…
- المسألة جادة وربما نعود غدا الى حيفا
- ينصر دين العرب
-امازالت بيوتنا واقفة ام هدمها اليهود ؟؟!!
هوهوووووو…ليس هذا مهما ..المهم اننا سنعود
- يالهي ما اغلى الوطن وما احلاه …انه الروح حصرا .

ويرتجف الرجال والنساء والاطفال فرحا .
- اين الولد ؟ قال ابي …
- يصلي …قالت امي
صعق ابي وصاح :
- يا للولد المؤمن ! هذه هي التربية المثالية …حتما سينصرنا الله …

قال المذيع :
- تراجعت قواتنا الى خط الدفاع الثاني .

وسكت . سكت كل شيء …وذابت اذن المذياع لكثرة ما فركها ابي دون جدوى .

غابت الشمس وجاء النازحون .
لو بقينا هناك في الخيمة ولم نرحل مع ابي ليعمل في مناجم الفوسفات …لرأينا الحرب عن قرب ولميزنا لونها بوضوح اكثر …ولأتينا مع النازحين او بقينا مع الصامدين …
نامت الحرب لتستيقظ كلما انتشر اليهود او تحركوا في الذاكرة .

قال ابي :
- بعدما ولدتك امك نامت في المستشفى …كنا في المنطقة العربية ..راحت امي ( ستك يعني ) ظلت هناك في حيفا ,,احتلها اليهود …فكنت كل يوم اذهب بك الى لامي وارجعك …بقيت اهربك من قبل طلوع الشمس …اقطع الاسلاك الشائكة …ااااااااااه كم هي بغيظة … كنت اضعك على الارض وازحف على بطني حتى اصل الجهة الثانية …اتناولك واهرب …كنت ساكتا طالما انت تأكل …لكنك كدت تكشف امرنا لليهود …كنت اذا انتهى الطعام ترفع صوتك وترعبني …كنت مفجوعا …وكنت في كل ثانية اقول …يا رب سترك …اعطيك لامي واعود …وبعد مغيب الشمس ارجع مرة اخرى لآخذك ونعود الى المخيم …وفي اول الليل اذهب بك الى امك في المستشفى …اه لو تراك ستك هذه الايام …

قالت امي :
- ضربني ابوك على بطني ..كثيرا كان يضربني زي مانت شايفو …كنت اشتهي لو يمر اسبوع ولاحد ولا يضربني …كان يفرج على المليحة والقبيحة …احتقن الدم في بطني …اخذوني الى المستشفى …قال الدكتور
- من ضربك على بطنك ؟
- ماحدا ضربني على بطني يا دكتور …فيقول :
- ما ضربك جوزك ؟ قلت له
- لا يادكتور …قال :
- لا بد ان احدا ضربك …قولي من هو او تتحملين مسؤولية كل شيء وكان عسكري يقف الى جانبه …قلت

قالت امي :
- ضربني ابوك على بطني ..كثيرا كان يضربني زي مانت شايفو …كنت اشتهي لو يمر اسبوع ولاحد ولا يضربني …كان يفرج على المليحة والقبيحة …احتقن الدم في بطني …اخذوني الى المستشفى …قال الدكتور
- من ضربك على بطنك ؟
- ماحدا ضربني على بطني يا دكتور …فيقول :
- ما ضربك جوزك ؟ قلت له
- لا يادكتور …قال :
- لا بد ان احدا ضربك …قولي من هو او تتحملين مسؤولية كل شيء وكان عسكري يقف الى جانبه …

قلت :
- لا يا دكتور ماحدا ضربني ..انا وقعت على الارض فوقع علي لجن العجين .
قال الدكتور :
- انت بحاجة لعملية ضرورية لحياتك ولا نعملها الا بعد ان نعرف الحقيقة .وانكرت وانكرت …قلت الستر احسن …لكنهم اضطروا لاجراء العملية …
فتحو بطني من هون لهون ….بعدها ما خلفت غيرك ….قالوا بتحتاجي لدكتور وعلاج ….بس ما سعينا لشيء …ابوك كان يضيع وقتو بالكهوة …وما اهتم …يالله …بسيطة …واحد مليح احسن من عشرين قبيح …
صح؟؟؟! يا ترى راح تنسى عذابي اللي ذقتو عشانك ؟1 يا ترى بتصير متل اللي قطعوا امهاتهم لما كبروا ونسيوا كل شي بعد ما اتزوجو ؟؟! نسيو كل اشي : اشهر الحمل التسعة والعذاب ووجع الولادة والحياة القاسية ؟!
والاهانة اللي ما بتحملها الا عشانك ؟ والبز اللي رضعك ؟؟
طنيب عليك يا ربي : لا تخليني اشوف اليوم اللي راح ابني الوحيد يظلمني فيه : انا دخيلة عليك يا ربي لا تخليه يجي …لانو اذا اجا ذاك اليوم …وانا علي قيد الحياة رايح اقط البز اللي رضعك …فاهم ؟! اقطعه؟!
صرت اخاف طثيرا من ذلك اليوم …ربما اكثر منها …كانت تنهي دعاءها وتهديدها وتبكي …كانت تنزل دموعها فتبلل عبارات لا افهمها …
اميز منها …
- فلسطين …رنين يرقص القلب عليه

في اول الوعي …حيث صدى الازل الممتد الى الابد …زمن اختلاط مفردات الذاكرة الاولى بصور الحلم المعلقة على جدار الروح …تتجلى الوان بهيجة ,تتفجر كنافورة منذ اول مرة سمع فيها كنعان هذه الكلمة ((فلسطين )) ما اجملها !
هي اغنية ,واستمرت تتفجر كلما انطلقت هذه الاغنية لوزا وزيتونا وعنبا واشجار ليمون وبرتقال وتفاح ومياه كثيرة ….ينابيعا وانهارا …شمسا وهواءا باردا ولونا اخضرا كلون الاشجار الخضراء …جرار تملؤها الصبايا الذاهبات على طريق العين مجموعات مجموعات … العائدات منها صفا افقيا على طريق عريض لا حدود له …

.. العائدات منها صفا افقيا على طريق عريض لا حدود له … ما لوثه الاسفلت ولا لوثت فضاءه السيارات البترولية القبيخة …
في البدء تكون الجرار طافحة …ثم تنسكب المياه على الوجوه المتألقة تألق البلور فتملأ النفس بالنشوة …وتشهق الصبية مستحضرة فارس الاحلام على فرسه البيضاء..وتكمل الحديث بكلمات متقطعة …وتعود حبة ماء اخرى فتنسكب على الوجه وتعود الصبية تشهق وتبتل اثواب الصبايا الطويلة ذوات الخرج الابيض المحيط بأكمامها وتبتل جدائل الحرير الاسود التي تصل اسفل الظهر يزينها شريط احمر واحلام بدنيا واسعة …

اوسع مليون مرة من المخيم ….

نائم





…حلم



عوالم غريبة …


كهوف وظلامات …ضياءات تنبثق …احد ما يطارده …لا يستطيبع ان يتبينه جيدا …اصوات خشنة ..وحوش بأشكال غريبة …نار قطار طويل لا ينتهي …وجوه ملوثة بالكاز والسخام …يميز ضحكات عالية …تتلاشى … يرى وجه امه الحزين …يرى فسوة ابيه الملازمة لحياتهم …السيد /رئيس العصابة …هو …هو …يعود بضحكته الهستيرية بينما يبدل الاقنعة …تشبه وجوها يعرفها …غير انه غير قادر على التمييز …يضيع في طرق متشعبة …تسقط عليه اضاءات خفيفة …الرومانسية تعرض نفسها كعاهرة في شارع …لكن الخوف هو سيد الشوارع جميعها ذوات الاضواء الخافتة …والباهرة …يركض باتجاه طريق طويل …تنقطع انفاسه …يراه مغلقا …ينهار ……………
ينام …





صرير باب في اعماق الوعي ….يفتح عينيه ؟ آآآآآ… باب الغرفة المجاور …ثذبل عيناه وتترنح بالنوم …لا يقاوم …………….

يميز صوت خطوات باتجاه الحمام البعيد …يبدو انه جاره المصري …لطيف …وجهه الاسمر الوسيك وطوله الفارع …صدى صوته في الذاكرة …يلثغ بالراء كالفرنسيين …فيضيف له ذلك نسبة اخرى في خفة الدم …هو الذي ينهض في البداية عادة …وهذا ايقاع خطواته …يحاول ان يتذكر شيئا من الحلم / الكابوس …يتلاشى صوت خطوات جاره …
صمت ……….
وجه امه كما رآه في الحلم …يكاد يمسك بخيوط الحلم …يشبه حلما رآه جالوت …فصوت الضحك الهستيري …يرتفع صوت ضحك غير هستيري في الغرفة المجاورة ,…يبدو ان الجيران قد افاقوا …تنتفخ عيناه وتسقط مباشرة على السرير المقابل …ما زال نائما …شرب كثيرا بالامس هو الاخر …صوت

فيروز يصدح في الغرفة المجاورة …