………يبتعد …يتواري …صمت …غيوم تنقشع …وضوح نسبي في الخطة …سأرتدي ملابسي واذهب …يجب ان يبدو التوتر علي عندما اقابلها …يجب ان اكون صارما لتفهم ان الدورة هي الامر الحاسم لكل ما بيننا ولن اوضح لها شيئا …لان الامور ليست بحاجة الى توضيح …كل شيء واضح كعين الشمس …أما اذا كانت تستهبل …فليس عليّ انا …وان كانت غبية فإلى الجحيم ……يجفف جسمه بالمنشفة تضايقه رائحتها …يبعدها …يقذفها بعيدا نحو السرير …ويتوجه الى المغسلة …المرآة …ينفل شعره وينشفه بأصابع يده …يعود ليرتدي قميصه المقلم ثم بنطلونه الجينز …..يدخل الزر في العروة فوق السحاب …يمرر يديه على فخذيه من الامام ومن الخلف …يتجه الى النافذة …السفر جميل بلا شك …ودوافعه لديك قوية …لكن ان تنتزع من المكان انتزاعا فهذا من القسوة بمكان …من الذي ينتزعك …؟؟ لماذا ينتابك هذا الاحساس الجازم ؟؟ ترى ذلك ولا تدري السبب …او ربما تدريه …أهو السفر ؟؟ تحلم بسفرة واحدة والى الابد …ولكن الى فلسطين …جنة الارض …طريق السماء …امتحان الخلد …حلم اصبح جزءا منك .؟…فاذا ابتعدت عنه تغرق في الحنين …ثمة افكار جميلة كنت استذكرها …
ماذا ؟؟!……………
آه …كان لي ان اشهد انقاض الدامور والنبطية وصور وصيدا …وتفاصيل الجنوب …ان اشهد على المفارقة …نزلنا من البوريفاج …فندق فاخر …الله الله …وفي الطابق السابع تحديدا …المشهد من الشرفة جزء من الجنة …يشرح الصدر ..والهواء ينعش القلب …لطيف جدا …الصبايا الحور في المايوهات تتمغط حول بركة السباحة ..فتشلع القلب …في الدامور …سألت عجوزا عن اهم ما رأى فقال : شهيدا ظل يمشي …يقاتل مغسولا بدمائه …بعد ان تخردق جسده بالرصاص …الى ان سقط …مسافة كبيرة ظل يسير بعد ان دخل الرصاص جسده …في الشياح ..شباب يعرضون لوحات فنية لكنهم يحاولون نيل اي تشجيع او مفتاح لطريق يفضي الى ابواب طموحاتهم …في ازقة المخيمات …حياة تقاوم العدم بنفس اخير …الاطفال يلعبون بالقذائف التي افرغت حامض بطنها فوق رؤوسهم …لم اصدق حدة المفارقة …اين هذا من اجواء الفندق …اين هذا من اجواء مكاتب الثوار الكسبة : سلالم من رخام تنزل تحت …نحو جدران رخامية تحيط بمكاتب فخمة حد الغيظ …كراسي مخملية هزازة ناعمة تشبه العروش …يترهل عليها القياديون الاشاوس …هواء بارد ومقاعد جلدية فاخرة للضيوف …حيث جلسنا بعد الترحيب الحار ….قريبين من عناصر قيادية في طريق النضال …تتعالى ضحكاتنا …ثم جاؤو بشخصية بديعة …هو مقاتل اصابت يده شظية فربطها بالخرق البيضاء واستمر يمتهن القتال او اللاشيء في بيروت …خفيف الظل سريع البديهة يتكلم فيضحكون …تساعد صراحته سرعة بديهته …تحدث عن تفاصيل الاصابة وملابساتها واجاب عن الاسئلةوالملاحظات فأحسست بالتبجح والمزايدة حتى قلت له :
- هل تسمح لي بسؤال من فضلك ؟؟
قال بترحيب شديد :
- تفضل
قلت :
-ماذا تتمنى لابنك ان يكون في المستقبل ؟؟
قال بتردد شديد:
- (( والل…لله …مادا كسرة الهاء …مانحا نفسه فرصى التفكير …ازا طلع شاطر ..بيدخل الجامعة …وتردد ثانية ثم آيس : وازا طلع حمار ! بدو يكون فدائي …)) وغطى حديثه بضحكة عالية كصهيل حصان …فتجاوب الجميع وقهقه عاليا …. أما انا فقد نال مني الالم اذ وضعت يدي على احد القروح المتورمة ..ولم يكن بوسع رئيس الوفد الا ان يكظم غيظه …فليس من حقي ان اسال !!هذا ما قاله لي بعد ان خرجنا من هناك …
- سؤالك ابعدنا عن الموضوع …قال لي
- السنا نبحث عن الحقيقة ! ها هي …فلماذا لا نظهرها كما هي …؟؟ الى متى تريدون ان تبقى اجوبة الشعب على اسئلتكم مفصلة على مقاسات مقاعدكم ومراكزكم والقابكم واغراضكم ؟؟الى متى سنظل ندير وجوهنا عن الحقيقة او صورتها ؟؟ الى متى سنظل ندفن رؤوسنا بالرمل فنرى الهزائم انتصارات …
- هووووووووووه …صرخ ومضى …
-اعلم ان ذلك ما كان منطلقه الاول واجزم انه كان بطلا …ولكنهم اوصلوه الى هذا الموقع …أما افتتنتم بصراحته !فلماذا لا تنقلون هذا الافتتان الى مشاهد العمل المسرحي الذي كان سبب زيارتنا لبيروت …!! خوفا من يصبح بطلا فتضيع منكم بطولاتكم !……
يا الله …كيف يفهمني من صحوت عليه في الغرفة ليلة امس يمد يده الى هذا الصندوق الخشبي الذي لا ادري بالضبط ماذا يسمونه …الكوميدينو؟؟ يعلث بأغراضي الخاصة ….اوراقي واسراري …فيعثر على دفتر ملاحظاتي ويقرأ ما به من ملاحظات واسرار …وعندما شعرت بذلك …تململت لانهض وارى الذي يجري …فأعاده بيد خفيفة كيد نشال الة مكانه موحيا بأن ليس معه خبر …كيف يفهمني ؟؟….
في الجنوب رأينا المستحيل : اليهود على مرمى النظر ..قريبون جدا وهنا تقف مجموعة من الشباب وثمة عدد قليل من الاسلحة الخفيفة والمتوسطة …يقلقك السؤال حتى ترميه عليهم :
- فيما لو اراد اليهود الدخول الى هنا فما الذي يمنعهم ؟
بسرعة ويقين اجاب واحد من الشباب :
- لا شيء …أردف آخر :
-ولكننا لن نخلي مواقعنا …سنعمل ما يمكننا عمله …لا يمكن ان لا نعمل شيئا …مهما كان من امر الحقيقة …لا …لا يمكن ان نغادر …انه الواقع الذي لا مفر منه ..
- العدو امامكم والبحر وراءكم !
-نعم هكذا بالضبط …
في صور يتحدث القادة عن الانتصارات …في صبرا …اشتهي الطفولة مع الاطفال الذين يروون لنا قصص النضال الغريبة …الواقعية / الخيالية …ارى الاساطير تتجسد ..والعن القيادات وجميع اولاد القحبة الذين لم يجيبوا على سؤال النّواب …
ورغم الحمراء ومحلات النيفوتيه التي اشتريت منها الجينز وغيره ..ورغم اللهجة الناعمة للبائعات هناك الا انني خرجت من لبنان ..وفيّ صدى الاغنيات التي كان ينشدها الاطفال في صبرا …ومرايا اللوحات التي شاهدتها هناك ………..تأخرت .
يضرب لا شعوريا يده بالجدار وينفض رأسه مرة اخرى ليتناسق الشعر …فتسقط الافكار …يتسرب الالم …يبصق بحقد في المرآة …يبتعد .. يبحث عن جورب يرتديه ..يجد واحدا نظيفا …يدخل فيه ..يذهب للحذاء الفاتح فمه …فيدس قدمه في فيه …
يلملم بعض الاوراق ..
يتجه نحو الباب بسرعة ..يمسكه بيده ويستدير للخلف …احس انني لابد نسيت شيئا ..لا اتذكر : إن ثمة شيئا فالمسافة قريبة …يغلق الباب …ويأخذ المفتاح ثم ينزل …تنزل الجدران معه ..تقترب ..تبتعد …يأتي الدرج ..ينطوي تحت قدميه كالبساط … الشارع الفرعي
النور هنا اكثر ضياء..ولكن لا مجال في نفوسنا للاستمتاع ببهجة النهار الجديد …هموم تعمي البصر …الشارع الرئيسي …السيرات المسعورة ..الحافلات سلاحف …يقطع الشارع …تواجهه مكتبة …تقع عينه على بعض العناوين : اصل الانواع …لامذكرات …عندي …المرأة في الثورة …ملحمة جلجامش …تاريخ فلسطين الحيث …السينما الفلسطينية …اجاثا كريستي ….نجيب محفوظ ..كتب قيمة …ثروة ..يتحرك…يتابع السير …المقهى الهاديء العريق …هنا يمكن للمرء ان يشرب القهوة كما تعودها …وهنا يمكن للمرء ان يصطحب صديقته …لكن بالنسبة اليها ما كان في ذلك مشكلة …فكم رافقتني الجلوس في مقاه شعبية جدا …دون ان يكون في المكان من انثى غيرها …حتى في عز الليل كان يحصل …وهذا ما زاد من تعلقي بها …لكنها كانت غريبة يوم امس …فلأشرب من البحر …الم اشرب من البحر …شربته بعدها حتى انطرحت …وهذا التيبس رغم الحمام ورغم النشاط الاجباري إن هو الا من نتائج شرب البحر …الامس خمر واليوم أمر …سنرى كيف لهذا اليوم ان ينتهي …(( اللص والكلاب )) علامة في السينما العربية …لا عجب ..فهي قصة نجيب محفوظ وتمثيل شكري سرحان …بدّع ..خصوصا عندما لفظ كلمة : لكلاب ! مشيرا برأسه اليهم …بتورية اظهرت مرماها الحقيقي …لكنها دار سينما رديئة …تشوه الجميل …ولا تهتم الا بابتزاز البسطاء …شعبية …تعودنا! …نسمي كل ما هو ردئ ورخيص وناقص ومغشوش شعبيا …ونغني للثورات الشعبية …شكري سرحان يؤدي بجدارة …القصة انعكاس فني ناضج للصراع الخفي …وطاقة رمزية عالية تمنح الكلمات معناها الحقيقي …إطار نظارات جميل , لكن هذا المحل غال …اللص ,الكلاب …لا تقف عند السطح …اذهب الى الاعماق لتكشف ما وراء الكلمات …البنية العميقة للكلمات …فالجمل ….هم الكلاب …هو الانسان …
طريق الجسر ….يتقاطع الناس على الجسر …يتداخلون وينفصلون كما لوكانوا جمادات تتحرك …كواكب سيارة …الاصل ان لا تبدي انفعالا …تجاه اي شخص .الا اذا كان ثمة معرفة …بروتوكول الحياة المعاصرة …في زمن البراءة كان الناس في البلاد يستعدون للتعرف على كل من يمر بهم …يصادقونه طالما انه انسان …يحملون همه ويبتهجون لفرحه …أما من صيغة تقرب الناس المتقاطعين عبر الطريق اكثر ؟؟لتعيدهم الى انسانيتهم ..القرى تنبض بالانسانية بينما المدن تلهث في السباق الحضاري … دون ان تعرف متى تصل ..يتسابقون مسافات طويلة ..طويلة جدا …مسافات الحياة …لينالوا وقودهم …طاقة تشغيلهم …ليرقصوا على ارواحهم : انهم يقتلون الجياد اليس كذلك ؟؟؟ بلى , طاقات رهيبة تهدر ..كامنة كما الكهرباء قبل اديسون ..كما الارض العربية الخصبة غير المستثمرة ليظل القمح يأتي من امريكا …يلبسون سموكن وربطات عنق …يلبسن كما في الغرب …آخر الموضات …الصرعات …قوالب مصممة بمقاييس الغرب مانيكانات …ثبتت الصيغ المقبولة لمخاطبة الاخر / النقيض ..قسّم الوقت لكي لا يظل الا هامش بسيط للطقس الانساني …..طاقة محتقنة كدمل …نوع آخر …الأهم : اجتماعي ,طاقة اجتماعية مذهلة يمكن ان تنفجر فتفجر ابداعا وفرحا …وتضع حدا لهذا الكبت وهذا الحزن المعتق وهذه الغربة الطويلة …ولكن كيف ؟؟
مادام هذا الطيب يعرفني وقد نسيت من هو …يتواصل معي وانا سابح بأفكاري أبحث عنه …فأبدو اليه كالمترفع …
- شكرا فرصة ثانية
- ؟؟
يمد يده :
- طيب مع السلامة خلينا نشوفك …
ثقة عالية بالمعرفة تعفيه من تقديم نفسه وتذكيري بشخصيته ..معرفة قوية هي اذا ؟؟! لو استفسرت سيكون احراجا …وهو لم يلاحظ قلقي …تمكنت من تمويه النسيان …سأعرف فيما بعد …ولكن , ماذا لو كان مطلوبا مني تصرف افضل ..وحوار اعمق .باتجاه ما له خصوصية بيننا .؟؟! واسئلة اخرى كاستفسارات عن معارف مشتركين مثلا …؟؟
انا عارف ؟!
يسير قليلا حاملا صورتها مفكرا بما جرى وبالذي سوف يجري..يقف لينظر للخلف …لا تظهر في المدى المنظور …هل صارت هناك ؟؟ أم أنها لم تأت بعد ؟؟ أغلب الظن أنها لم تأت بعد …
يواصل السير .. كانت تبدي اتزانا رهيبا وتجاوبا مع حريتها شديدا ….قلب كبير كانت …حكيت لها قصة سليم …الصديق الوفي الذي ما أن رآني اتعذب في حيرتي تجاه فتاة بدأ حبها يغزو قلبي حتى نصحني يقطع العلاقة فأريح بالي ..((اقطعه حصرما )) قال سليم …لماذا ؟؟هل تعلمين لماذا ؟؟ ليرتب اموره قيقطفها عنبا ناضجا شهيا …وقد حصل ذلك فعلا ..ولم افكر بذلك قط …ما دارت لي قط …لأنني ما اخذت بنصيحته إلا بحسن النية …ولم اعرف مما كان يرسم عليه شيئل على الاطلاق …الا عندما دعاني لقراءة فاتحتها في اتحاد الطلاب …حتى سقط قلبي في قدمي ظانا لوهلة أنها ماتت …فقبضت على ذراعه مفجوعا ..لكن ملامحه المبتهجة غيرتني …وادركت كل شيء : قال : سنكتب الكتاب عصر اليوم ….هكذا نجح في التدبير : فاتحها بالزواج اول مرة …فقالت له / هل اخبرت كنعان ؟؟ فقال لا …فقالت قبل اعطائه جوابا : أخبره …ولم يخبرني الا بعد ان مضى وقت طويل …كنت بذلك قد قطعته حصرما ورميته …أغاظني كثيرا حس المخاتلة والتآمر من اقرب صديق إلي ..لزمتني الصرخة التاريخية : (( حتى انت يا بروتس )) …
رويت الحكاية لها عرضا قتورطت …صارت تحلل كل حديث يدور حول هذا الموضوع …وان مررت على ذكره عرضا …انني ما زلت احبها …حتى اتعبتني ..آه كم اتعبتني …هنا حضرنا معا (( الجندي الازرق )) اثرت بها شخية البطلة في الفيلم بجانبها الانساني والانثوي : ثمة تفاصيل تخص المرأة لا تدرك اهميتها الا المرأة …قال واوضحت : هل رأيت كيف يمكن للمرأة ان تهتم بأمورها الخاصة حتى في الظروف الصعبة …وتعمل بفكرة بسيطة من خرقة حمراء مستطيلة بعد ان تثقبها من وسطها لتدخل رأسها وتجعلها تنسدل على جسمها رداءا مريحا ثم تربط وسطها بشريط قماش /زنار ..فإذا هي عارضة ازياء تنافس نينا ريتشي …قرنفلة …ركزت كثيرا على هذا المشهد بينما احتل ذهني مشهد البطلة وهي تحمل الطفل وتبكي فوق الدمار …ثم جنون البطل الغريب … الجندي الازرق …ناهيك عن مشاهد الخراب التي ابدعها الاميركيون للقضاء على الهنود الحمر …
هنا اكلنا وتحدثنا عن الحب …في هذا المقهى الشعبي شربنا الشاي واقفين …وهي معنا الفتاة الوحيدة بينما لا تجرؤ اي فتاة على الاقتراب من كهذا بين الرجال …
- مواقف الرجال تتغير بتغير مواقف النساء …قالت بعد ان زارتني في السكن مرة ولم تجدني فانتظرتني في الندوة ( حجرة الاستقبال ) التي يكتظ بها النزلاء الرجال / الشبيحة ..بلا نساء عادة …بلا جنس لطيف …فيظل الجو خاليا مما يلطفه …ويعبر الشباب عن كبتهم بوسائل شتى : التهريج والالفاظ الاباحية ..التحديق بكل من يدخل ويخرج علّ العيون تقع على وجه فاتن …او ساق مغرية او صدر مثير ..فتتحرك داخلهم المياه الآسنة …ويلمسون بوجدانهم ملامح الجمال ..وتهر في المدى زهرة تفاؤل …وقالت :
- عندما سألت عنك ولم اجدك قال لي الشاب الذي يقف خلف الكاونتر : سيأتي بعد قليل …ثم قال بخبث : تفضلي يمكنك انتظاره اذا احببت ! وكلن الشباب في الندوة يبصبصون بعيون فضولية جدا وربما تغامزو فيما بينهم بغرض ارسال شيفرات المعاكسة ..ولكني سلمت عليهم ببساطة ودخلت …
يقطع الشارع بينما هو مستغرق .:
…فغيروا من طريقة جلوسهم …وحسنوا ملامحهم …وهذبوا الفاظهم …وسألتهم عما ورد في التلفزيون قبل قليل ولم انتبه له !…فأجابوني بأدب جم …وتابعت الحديث معهم انطلاقا من هذه الفاتحة …فالرجال يهاجمون النساء طالما كان هناك حواجز …وهذا طبيعي فالمرأة بالنسبة اليهم بهذه الحال كائن غامض …طرف آخر …بعيد …يرفضهم …ويشكل عندهم عقدة …
هكذا كانت تقول دائما …
-… أما عندما تكون المرأة صديقة للرجل فمن التناقض ان يعاكسها …إذ يزول السبب …عندما تكون قريبة يستطيع ان يقول لها ما يريد دون مواربة …وتستطيع ان تبدي رايها بصراحة ووضوح …يمكنه ان لم يكن ثمة شيء ضروري للحديث سوى الافتتان بها ان يغازلها او يعبر لها عن اعجابه …وعند ذلك تنتهي الازمة …
هكذا كانت تقول دائما …ولكن ….ينسحب وجهها للخلف …يبتعد …الاستعلامات …يدخل يسلم على الشباب ويتابع سيره …تعود بكاملها الى وعيه ….يوجه نظرة الى الكافتيريا …:
…يجب ان لا اسأل عنها مباشرة ..بل سأمر كانني اريد ان اشرب شيئا …فإن كانت هناك تصنعت تجاهلها …وان لم تكن اذهب لانهي بعض الامور المتعلقة بسفري …مواربة …نعم …لكنها هي التي اقامت الحواجز يوم امس ….هي المسؤولة عن ذلك …وما علي الا ان اتتحمل مسؤوليتي اتجاه الفلسطيني القادم الذي قررنا حمايته باي ثمن بعد ان ذبحوه في كل مكان …في اليونان …في فلسطين ..في لبنان…الخ .
الكافتيريا على بعد خطوة …شفافية الزجاج رائعة من وقت آخر …وقت تأمل بلا توتر …يعبر متعاكسا مع اخرين يخرجون …يتعالى فجاة ضجيج : هرج ومرج ..اصوت : مذياع ومناداة …يمسح المكان عينيه …لا ليست هنا …قد تكون جاءت وذهبت الى قسمهم …لن اتصل بها …يسلم على بضعة زملاء بالكافتيريا …مجاملات بمستويات مختلفة حسب العلاقة …يسأل عن شخص غير موجود ليبرر عودته الى الكافتيريا …..في الممر ايضا يعمل في رد التحيات او الرد عليها …يذهب الى القسم …ربما تكون قد اتت …الافضل ان اصادفها في الممر قبل ان تصعد الى قسمها …وياخذني الوقت …سأفجر لها الدمل وامضي …..
ينظر من نوافذ الممر …يلمحها قادمة عبر الطريق …يسرع الخطى …ينزل السلم …يمر عبر الواجهات الزجاجية …ثم يخرج الى الساحة …يلمحها …ها هي ..بلحمها وشحمها …قادمة بكامل اناقتها كما في كل صباح..لكني في هذا الصباح مكشوف البصيرة ..فأميز بين الزيف والحقيقة …بين القناع الجميل والجمال الحقيقي …ها هي تقترب …لن اقول صباح الخير …
تقول :
- صباح الخير .
أي خير ؟! يا الهي …تبادر بالتحية وتبتسم كالعادة ..وكأن شيئا لم يكن …
يردح لها بهمس وتكليف :
- لم التكليف ! لست بحاجة لان تقولي صباح الخير …قولي فقط ان كانت الدورة اتت ام لا ؟
- لا …الدورة لم تأت…ولكنك منفعل بطريقة غريبة ….ما الامر ؟ ما بك ؟
يتوغل في الردح :
-غاااااااريييييييب ؟! وتستهجني امري !هذا والله عجيب ..على كل حال …ورغم حواسي فإنه ليس امامي الا افتراض حسن النية…فإذا اردت البحث في مشكلتنا ..فأنا في الكافتيريا انتظر
- حسنا …ساصل القسم واعود …
انشطرا باتجاهين وسال دم كثير ….
*****************************************
قال لها :
- يكفي …لا اعتقد انه ظل بيننا شيء سوى ان تأتي الدورة او يأتي الجنين …فأعرف رأسي من قدمي …وما علي سوى ان اعلن الان هنا …عن استعدادي الكامل لتحمل مسؤولية خطيئتي …
تتناوب على صفحة وجهها الوان الطيف …: احمر ابيض ..اصفر يخطف …ازرق يذوب …الجزء المكشوف من صدرها يشق الظلام كشمعة محايدة …ابيض كخد الورد …يسقط نظرة على الجزء الفاصل بين النهدين …لكنه يعمد لأن يشتته عن كل عوامل الاغراء …قالت :
- خطيئتك …؟! تنهدت …ثم تابعت :
….هي مشكلتي على اية حال …وهذا فقط ما يؤلمني عندما افكر في الفارق بين الرجل والمرأة … الفارق البيولوجي …اطمئن …لن تتحمل اية مسؤولية …ولن تعاقب على خطيئتك …انا اتحمل مسؤوليتي اتجاه عواطفي ومشاعري واجتهادي وتصرفاتي كما تجاه جنسي ونوعي وجسدي …وبالتالي ما يولد مني فهو مني واليّ وعليّ تقع كامل المسؤولية فأرح بالك ….لكن الذي يثير فضولي بشكل كبير هو امرك هذا …قلي لي بالله عليك …ما الذي جرى لك حتى صرت بهذا الانفعال وهذا المنظر ؟؟؟؟
- عندما كان شيء ما يثيرك او يزعجك …ما كنت لتعطي فرصة للحديث …ولا تلمحي باي شيء …بانفعال او بغير انفعال …فيكبر اللغز عندي …وكان كل ما تتكرمين به لإظهار تأثرك مما لا اعلم ما هو : هو ان تحرميني من! ..من !…من تحيتك ….حتى صباح الخير ما كنت تقولينها …وتقاطعين بغموض سادي ….
قالت بمسايرة وتعقل شديد :
- فإذا كنت غبية لحظة او بضع لحظات …أفلا ينبغي ان تكون انضج مني ولو قليلا …فلا تتصرف برد الفعل او بالمثل حين ترى انني كنت بذلك اخطئ فلا تقع بالخطأ ….أو ليس من الافضل ان تتصرف دون الرجوع الى تصرفاتي التي اعترفت لك اكثر من مرة انها سخيفة …! ماذا تريد اكثر من ذلك ؟
- لا اريد شيئا …اريد فقط ان ابلغك انني قررت الان بعد ان علمت ان امر الدورة ظل غامضا …ان أؤجل سفري ريثما تظهر اي نتيجة …
قالت مقاطعة :
- لا يا سيدي …تستطيع ان تسافر ,….فانا ما تصرفت شيئا الا بإرادتي وقناعتي التامة ….وقد كان حبا …فإذا تبينت وهمه ,…وصرت تراه خطيئة ..فأنا على قدر المسؤولية …وعليّوحدي تقع …قاطعها بحدة :
مسؤوليتي ! مسؤوليتي ! هل تودين اصابتي بالضرب على هذا الوتر ؟! نقطة ضعفي ! لن تؤثري عليّ بهذا الترفع …هل فهمت ؟
- ……….
-هل تصرين على ما تقولين …اذا استنفذت التفكير ؟
قالت بتماسك شديد وكبرياء محترم :
- نعم …بكل تاكيد
- إذا وداعا …قال ونهض ليغادر الكافتيريا اللعينة …تلاحق عينيه ضربات فرشاة لفنان مجنون غمسها باللون الرمادي …ومسح بها الكون …ومسخ بها الكون ….
فرح الخناشير / الشبيحة …آه ابو الشباب…! كانوا يترصدون فرصة تلوح لتبتعد فيحتلو مكانك …ركضوا بخطى بطيئة لكي لا يلفتوا الانتباه الى طيشهم …سيتحدثون …لا بد …عن التحرر …ذوي العيون الجائعة دوما ولا تشبع …متصنعين الوعي والثقافة …بينما يزرعون نظراتهم في الاخدود الخصب الذي يفصل بين نهدين بضين وسوف …لا بد …يحلمون بالليل الاحمر …وسوف تحلم هي بالدموع التي تلح عليها لتنزل …لكنها تحبسها حيث لا بد ان تتصنع الفرح والابتسام ..ولن يحس بها احد …وسوف تتيبس دموعها ..او تظل بانتظار الفرصة العظيمة للانهمار …لكن الارض لن تتمكن من حمل ألمها عند ذلك ……
لكني رغم ذلك ..ومهما كلف الامر لن اكون الباديء في استعادة العلاقة …او حتى المبادر في اقتراح حوار تفاهم …مادام ردها كان كذلك …لكنها لا بد وان تتصل …حتما ………
يسير بانفعال …يبدو ان الناس لا يعرفون ان القيامة قد قامت …لا يرى الا سوادا …
وصل الى السكن …
- هل سال عني احد ؟؟
اجابه الحارس بأن لا …فقال :
- الم يطلبني احد بالهاتف ؟؟
فقال بإصرار :
- لااااااااا
صعد السلم ..لماذا اتصرف كما لو كنت اغادر للابد ؟؟ثم عاد …يفكر …يقترب من الهاتف ..ثم يبتعد …ثم يقترب …
………………………
…………………..
- الو ….
سمع صوتها متحشرجا …متماسكا …حزينا …مخذولا …مرهقا …
-أأأأأ…نعم ؟!…
-…هل ترغبين بمعرفة سبب توتري الشديد …على افتراض انك حائرة فعلا …وانك تجهلين ما بدر عن حسن نية او عن سوئها ..؟؟ هل تودين رؤية صورتك بالمرآة ؟؟
قالت :
- لا ..لا اعتقد ان هناك ضرورة لشيء فقد باتت الامور واضحة بما فيه الكفاية …مع السلامة ..تك
صفعة اخرى ..صحتان وعافية …فأنت تستأهل كل خير …
وفوق ذلك …تنهين المكالمة من جانبك …حسنا ..اللهم اشهد ..مع السلامة …وضع السماعة وتاه في المدينة العريقة..يلملم ما تبقى له من زاد السفر …يدور في فلكها وحيدا وحيدا …
اي شي ظل عليه ان لا ينساه ؟ اي شيء ظل عليه ان يأخذه قبل ان يغادر مدينة الحزن ؟؟عليه ان يوسع ذاكرته لتستوعب اشعارا غير صالحة للنشر وقصصا مستحيلة ..وطعم القبل ..هذا يكفي .
هل اقول وداعا ؟؟ وهذه الفتاة ربة العشق والحيرة …ماذا يدور باحشائها …؟؟ لمذا تمد الليالي وتضخم اللغز ؟؟ ليستهلكنا الوقت …لماذا ؟ ..لتغلب شهرزاد ؟؟ ان كيدكن عظيم …وانت مسكين …مسكين يا شهريار …حيلة صغيرة انطلت عليك …انه لغز الوقت …الوقت مادة اساسية في مركب الحياة والموت …كل النساء …استعراض للوجوه التي يعرفها …يتألق بينها وجه اميرة …كل النساء …يطفحن بالخبث ويبدعن زرع القلق في رؤوس الرجال …وجه مريم …كلهن …حتى هذه المثقفة جدا ..قارئة ( الجحيم ) يجب عليها هي ان تقرأ الجحيم ..حتى تعتبر .. يجب ان تقرأ الجحيم ..ظلت تلح علي …لانها وجدت موقفا يعري حقيقة الرجل ببعد الواحد : ظل يقول لها انت كل شيء …انت كل شيء …وخصوصا عندما كان يرتجف بحضنها …كان يقول لها بإيمان حقيقي …انت كل شيء ولكنه قال لها بعد ان انتهى من شيء ..انت لا شيء ..يجب ان تقرأها ..سأوفر لك نسخة ..الا اميرة ؟؟اميرة ..حبي انا ؟؟ ابة افراح منحتها لقلبه الحزين …أية ارتعاشات وهبتها قبلاتها لزهرة عمره الذابلة فأنعشتها …في الطرق الطويلة والحدائق العامة …في الشمس الثقيلة كالصخر وفي حجرة الطين المهترئة تلك ! ولكن كان لابد لكل شيء ان ينتهي …فلينته …ولكن ..الا من وداع ؟؟
- اميرة …حبي انا ” آه لو رايت هذا الفلم يا كنعان …قصتنا هي التي يحكيها بالزبط …وحياة عيونك بالزبط …وكأنك انت الذي كتبها …تسكن عند خاطر يأتيها بغتة …(( ..ليكون انت اللي كاتب القصة ! مو بعيدة والله …ها ؟ والله لوقلت انك انت لصدقتك ))
- يمكن …! ولكن فيلمنا ما انتهى بعد حتى نصوره للسينما …صح ؟
- غلط …لانه لا ينقصك الخيال فتؤلف ما تبقى من قصتنا ..ولكنك تنكر …ولكن …معقول ؟؟ الى هذا الحد ؟
ألا من وداع ؟ قبلة …اشارة باليد …كلمة عبر الخيط الرفيع …ماذا لو ركزت بدرجة عالية …هل اصل اليها عبر الطاقة المفترضة التي كنا نتحدث فيها كثيرا …الي اومن بوجودها كثيرا …لنأخذ الاولويات …مم يتكون الانسان …من مادة ؟؟ أم من ذاكرة وقلب ؟؟ شيء ما في الانسان الهي …جعله يخلق الاله …ويتجاوز المادة حتى في قمة وعيه لها …حتى في ديكارت …حتى في نيتشة ..حيوان جميل ..اجمل من الغزال …اجمل من الحجل …شيء ما هو لا مادي ولا مثالي بالمفهوم الفلسفي …ولا حتى طاقة …شيء ما يجعل هيجل يقول (( أن اسخف فكرة تمر بذهن الانسان افضل من كل هذه الطبيعة العسفية )) او كما قال …شيء ما متحرك ..مقدس على نحو مادي ..شيء ما لا ينتهي فيه كل شيء …او اي شيء ..يبقى ….ومع ذلك تتكاثر المسوخ حيث ساد الانحطاط …في حضرة الاله …أكل الجميع من وراء ظهر الجميع …من شجرة الشيطان ..ولما افاقوا حملوا السلاح بوجوه بعضهم بعضا …ليقتلوا جميع الالهة ويبقى الشيطان …
عبث …أهذه نسؤولية الانسان الي حملته اياها على الارض ايها الفيلسوف العظيم ؟؟ هو هو طاهر او مسخ …بسبب من دوافعه وصور من خيالاته …/ ادراكاته …يسعى للامام / يرتقي …ثم ينحط بالحرب ومص الدماء اكراما لله او تمردا عليه مسيس …منذ الاله الاول : القمر …وظل كذلك بعد أفول القمر وغياب الشمس …ورغم نتيشة وديكارت وماركس …. منذ اعطى الله الارض لنسل آدم …هذا الوجه قبيح ومع ذلك يمشي بثقة اعلى من ثقتي بنفسي انا صاحب الوجه الــ…… اي ملامح لوجهي ؟؟؟ مليح ام قبيح ..؟؟؟ هذه التساؤلات للنساء …هذه مثلا يهمها جدا ان تكون جميلة …وهي كذلك …ولذلك فهي شديدة الثقة بالنفس ايضا …قوام جميل …كلهم ينظرون …يلفون اعناقهم …بوقاحة …يؤشرون بها على درجة الكبت : كبت ميتر : 180 درجة = كبت كامل …السير برأس مقلوب أكمل ….وذلك حسب المسافة المقطوعة حتى الاصطدام بشخص او جدار او سيارة حتى الموت …حيث الكبت المطلق ….اقطع …السيارات تسير ببطء …يوسع خطوته على مداها ..تمر …تمام ..لا يلتفت للوراء …الكتب اياها على الرصيف ..من هنا اشتريت قصة حميدة نعنع ” الوطن في العينين ” كم فاجأتني …ففاجأت بها الفتى حسن …قرأناها معا في القطار …عندما جاء ليدرس هنا …آه لو يعود زمن الكرز …تلك كانت اللازمة …رفقة جميلة كانت ….لان من النادر ان تجد صديقا يتقارب احساسه بالظواهر من احساسك …حسن يكاد احساسه يتقارب …متفجر …ولكن الوقت في القطار لم يكن كافيا ..وكان الوقت ليلا والجو ماطرا قطع فيه التيار الكهربائي …اعتقدنا ان هذه واحدة اخرى من المؤامرات التي تستهدفنا …وتهدف الى بتر متعتنا العظيمة بالقراءة …وتفويت الفرصة على تحقيق هدفنا في الوصول الى نهاية الرواية / القصيدة ولكننا كنا اقوى …اذ بحثنا عن الشموع لنشتريها ونكمل قراءة الرواية في الفندق الذي نزلنا فيه على عجل دون ان يكون لنا شرط او جدال ….
يتنهد …يدور لليسار ويتابع سيره على الرصيف …وجوه تلتصق بنظرك ثم تغيب …رؤوس تدخل من خلفك الى امامك وتبتعد ولا تعرف الى اين تذهب …ولماذا تعرف .,…وما شانك انت ةما علاقتك بأي منها …واجهات من الزجاج لا علاقة لها بصدر ماريانا لوركا …” لو كان صدري من زجاج لرأيت دموع من الدم تتساقط على نافذته ” لمريم ربما علاقة …وجه مريم الحزين …وجه ماريانا بالخيال …متطابقان …طبعا وجوه الهة الحزن تتطابق …هذه ايضا حزينة …اقطع …تقطع …تقترب …رائحتها ندية …هاقلبها طري …لكن قلبي يهوي مفسحا اليها المكان …لما لا اشكو اليها العالم …اشكو اليها اطوار مريم الغريبة …يلتفت خلفه …تلتفت …وتعود فتدير وجهها ليس بحياد ..ولكنه لا يحمل اية رسالة ايضا …لم لا استطيع التحدث معها …هل انتهك عرضها لو طلبت منها التحدث ؟؟…قد لا تمانع …ولكنها تخاف من الحصار …حصار البشر المخيف …كلهم اعدائي ..دفشة …يهتز جسمه يختل توازنه …آي …عفوا …أي عفو ؟؟ واحدة بواحدة ..لكن صدمتك بهؤلاء لم تكن بهذه القوة …احمد ربك …على الاقل طلب منك العفو …غيره يصدمك ثم يزجرك بنظرة تسحقك …ماذا تريد ؟ بلط البحر ؟؟ كلهم اعداؤك ام كلهم احبابك …هذا الذي يسره الرب …وهذا طينك يا الله …ليس من هنا نشتري منّ السما …
لماذا اتخذت حياة الانسان في نهاية المطاف هذا الشكل …ركض ..ركض …ماهي الغاية النهائية من كل هذا ..انا عارف! صوت عبدالحليم يلعلع …استهلاك ..حتى الكلمات الجميلة تلفت …كالعلكة في الفم …هو العهر سيد الحياة القحبة …روائح ..ابواب …حديد ..المـ…نيوم ..الم,نيوم ..حلوة هذه …حد …يد …حد,ايد ..اللغة لعبة عبقرية ..مليئة بالطاقة ..ولكن من يستثمرها ..يا زلمة ليش متعب حالك ..ليش تحمل السلم بالعرض ..شو بدك ؟ هي الحياة كما هي …لن تكون افضل مما هي عليه ..ولن تكون اسوأ مما هي عليه ..هي الحياة يا ابن الحلال …ههههههههه..اما لغز المجتمع البشري فسيظل كذلك مهما كان من نضال ومهما كانت من خيانات ,البشر,غنم ,النخبة فقط ترتقي فوق ذلك بقليل …النخبة في التجارة ..النخبة في العلوم ..النخبة في الادارة .. النخبة في السلطة ..لكن الـ…يلعن ابوك شو مسرع !!! منظور للشارع الطويل سيارات …اسلاك كهرباء ..ابنية ترتفع ..تتلاقى في النهاية ..اسماء محلات كبيرة ..ابن الكلب ,طاير …ايه , آه , لكن الظروف تلعب دورا كبيرا في مساعدة هؤلاء ….اضافة طبعا الى تركيبتهم العقلية والنفسية و…و…, لكنهم يجروننا من اعناقنا بسلاسل غليظة …لها بريق ذهب يأتي من بعيد…ولا حيلة لنا الا ان نلهث ..سسس اخت هالحالة …مش معقول …لوكانت هنا لنتناقش …ذهني يغلي ..فيه طبيخ عجيب ..ماهو المطلوب مني اكثر من ذلك ..سسس اختها هي الثانية …اذا امبارح وصلنا الى كل شيء واتفقنا بوضوح سسسسسس……..
تقترب الحافلة حتى تغطي الفضاء …فليس امامنا الا الصعود او الصمود …باكيتات الحلاوة بالجبن هذه ثقيلة ..مزعجة …لكن غير موجودة الا هنا …الوالدة تحبهها ..تموت عليها …سيمحو فرحها كل التعب …الخيوط المتقاطعة تشد اصابعه للاسفل بقوة …تحفر فيها اخاديد حمراء ..كتل بشرية تلقم نفسها لوحش الحديد الهائل ..ببطء شديد جدا يصعدون …يلتصق لسانه في سقف حلقه ويجف ..يحس اصابعه تتقطع …يراقب الصاعدين امامه ..يسمع صوت الاقدام على عتبات الحافلة …يتحرك الطابور كالافعى ….وصوت الالة الاوتوماتيكية تقضم البطاقات …امامي اربعة , صوت ضحك الشباب المتفائل ….صوت الاسئلة والاجوبة …صوت ثرثرة الراكبين قبلنا …ثلاثة ..عيونهم تتابع الداخلين وترميهم بنظرات متقاربة لا معنى لها ..كما لوكانت ترشهم بخراطيم المياه …اثنان …لكنهم لا يبالون ..وانا اقاوم كل شيء بتيار الافكار هذا ..تيار عارم …كيف يمكن السيطرة عليه والاحتفاظ به في الذاكرة ليدون في الرواية بأمانة …واحد فقط ..وانا …ينظر نحو المقاعد علّه يجد مقعدا فارغا …
حبيب ..تحرك شوية …ملامح هذا السائق ولهجته ايضا نموذج لنمط ما …تدرك لأول وهلة جوانب كثيرة من شخصيته …حاد ..عصبي …يأخذ البطاقة ويجعلها بين اصابعه وبين خيطان الحلوى ,…ولكن الفن لا يحتاج للأمانة المطلقة بقدر ما يحتاج للإبداع …ولكنه يحتاج اليها …وفي التجربة الجديدة سوف تلغى كل المقاييس …وهل تنوي الغاء كل المقاييس …ولم لا ؟؟ من وضعها ,اصلا …..لا مقعد فارغ هنا! الى الورء …اربع مقاعد فارغة …المقاعد فارغة في الخلف …فلماذا يتراكمون في الامام …الكسل !! وهاهي المرأة موجودة هنا …فالمكان هنا اكثر شاعرية والتعب تبدد قبل ان تاكل امي الحلوى…وجه جميل مسروم على نافذة حافلة …الحب يسري في جسد الحياة …ماذا لو جلست بجانبها …سيبدو الامر غريبا ..ان تترك كل هذه المقاعد وتجلس بلصقها …قد تجرحك …الافضل ان تجلس في المقعد المقابل لها تماما …فتظل بذلك مسيطرا على ادارة النظرات المتبادلة ان كان ثمة تجاوب ……ضع حمولتك على الطرف هنا …جسمك ثلاثة ارباع الدورة …تزحزح بالجنب قرب النافذة …نعم هنا …إجلس …تلامس مؤخرته جلد الكرسي المهترئ …حرارة اعلى من المعتدلة بقليل …تلتقي النظرات بعفوية مرتبة …منه على الاقل …لا حماسة كبيرة عندها …مؤلم …ولكن بهذا لا ذنب لها …فالمسافة شاسعة …والاخلاق السائدة …تعلم ان الرجل في الشرق عدو المراة وهي تفعل كما يفعلن جميعا في البداية …الى ان تبدأ خيوط قصة ما تنسج …لن اعيرها اي انتباه …حتى لا تأخذ بنفسها مقلبا كبيرا ….طز …على ايش؟ …ربما كان هذا القالب فارغا …ربما نعم وربما لا …يقف الباص …يصعدون …ضجة …يتوالون تباعا الى هنا …يتحرك الباص …فتهتز ..يهتز الذين لم يجلسوا بعد بشكل اوضح من اهتزاز الجالسين …هذا يجلس بجانبها …رغم وجود مقاعد فارغة …تحتج بصمت …عدم الارتياح باد عليها ولكن لا …الانفاس محبوسة …لماذا تشغل نفسك بهذه الامور …هل ستكتب هذا …على العموم هو اكثر ثقة بنفسه منك …ثمة نقطة ضعف لا اهتدي الى طريقة للسيطرة عليها …يقيدني الجدل ..واشترط الاحترام المتبادل …ولكن الاخرين يتجاوزون ببساطة …لا يفكرون بالعواقب …لي مكانتي …ولكن الاخرين يبدون اكثر انسجاما مع المحيط مني …ميزان الموضوعية معلق برقبتي …يقيدني …احترم الاخر ولا تستهن به مهما كان ….لا تتعال …تواضع وما ادراك …فعلّ الاخر احق منك …مهما كان صغيرا …مهما كان جاهلا …افتح له المجال وامنحه حق التعبير كاملا …لكن الاخر لا يقيم وزنا لذلك …ولا يرى في الامر الا صراعا يتطلب مصادرة الاخر ..فالتعصب ..فالتآمر …فافتعال المعارك الجانبية حتى تغدو جوهرية …وما نفع ترديدك المستمر للعبارة الرومانسية التي ذبحت نفسك بها : قد اختلف معك في الرأي ولكني اضحي لأجعلك تقول كلمتك …فهم بالتالي اكثر معرفة بما يمكن ولا يمكن …حتى وان وصل الامر لأن يعتبر تجاوزا …يدي وجهه نحو النافذة …الضياء باهر …الاشياء التي نمر بها تأتي وتبتعد بسرعة …لا مجال لتأملها وقد يكون هذا حسنا …لأنها قد لا تكون جميلة عن قرب كما هي الان …لوحة حديثة تنتمي للمدرسة المستقبلية …
هيء نفسك للنزول في الموقف القادم …
عليك ان تسرع الى السكن لتأتب بحقائبك لكي لا تتاخر عن موعد السفر فتفوتك السيارة …هكذا انتهى كل شيء …الق نظرة الوداع على هذه المدينة …على تفاصيل هذا الشارع العريق …على البيوت العتيقة .,…القلب يدق مثل صوت عقرب الثواني ,.,,تيك تاك …تيك تاك …تتكرر موجة قنابل الصوت ومشاهد العناقات الودية …وداع مزيّن بالمجاملات البروتوكولية …عشرة ..فراق …فلا ضغائن ..قلوب بيضاء تماما …لا مآخذ …لا تحفظات …صافي يا لبن ..لا يحتمل الموقف …سوى تكثيف البعد الانساني …تروح وترجع بالسلامة ..اكتب لنا ..لا تنسى الاتصال …اذا احتجت شيئا فقط اتصل …
ودعت الجميع الاهي ..وتلك؟ اميرة؟ لماذا لم تحاول الاتصال بها …الوقت والازمة ,ولكن ؟ ما الذي ينبغي ان تفعله مع هذه المريم ؟ هل يطاوعها ان تدمر حبا وهي الشاهدة على زمن القتلة ؟؟كارثة ! ام انها تسحب عليّ افلاما …تلاعبا بأعصابي ..؟؟ ارى سيناريو لفيلم مصري قيد التنفيذ …تنتظرني فإذا لم آت …تحضر الي بالطفل المقدس ..وتقول هذا ابنك الحرام …هربت به بعد ان ظهر الحمل وتحملت معاناة الحمل والولادة ..فخذه …ماذا ستفعل بهذه الحالة …ستقول لها انت السبب …رأسك اليابس …عنادك ..كيدك العظيم ..لغزك المحير …صوت داخلي من الغيب ؟ أم خاطر ما ..غامض ..أمره بالالتفات ؟
هل سمع صوتا حقيقيا يناديه ؟ فالتفت :
هي ..كما هي …عادت من السراب بكامل صفائها وحزنها …
برق في مركز الفكر يكاد يكشف اللغز ..فرح بالانقاذ ..ليست وهما …تنطق :
- اين ؟
- الى السكن لآخذ حاجاتي واسافر …
- هل نتحدث ؟!
يفكر..لا وقت للمكابرة …او تسجيل المواقف …ولا وقت حتى للتفكير :
- لدي بعض الوقت للغداء ..فلنجد لنا مطعما نجلس فيه نتغدى …ونتحدث …
ترحب بالفكرة …ما ارحب صدرها …كرحابة صدر المحكمة التي تمنح المحكوم عليه بتدخين سيجارة قبل تنفيذ الاعدام ….
يسيران …تنظر اليه بابتسام …يفكر …من اين يتناول الموضوع حتى يفهم ويفهم …يدلفان الى اقرب مطعم شعبي في الشارع …جناح خاص للعائلات …
- تفضل …العائلات فوق ..
- ما رأيك ؟
- خلينا هون …لا اريد جناحا خاصا ..فلا عوائل غيرنا فوق …والجو هنا في مواجهة الشارع الطف …
- الا تخافين ان نتشاجر على باب الشارع ؟
- توكل على الله …لن نتشاجر ..
-تفضلو اينما تشاؤون …
- هون يا حبيب ..
بخرقة اسودت كثيرا بسب تكرار مسح الموائد البائسة وبوجه مغلق بسبب التعب والضجر ..مسح الشاب رث الثياب المائدة …وادار ظهره …فجلسنا …جاء رجل آخر وضع دورقا لا يغري منظره الظمان بشرب الماء …وراح …جاء ثالث فوضع سلة خبز واستل دفترا صغيرا وقلما وقال :
- شو بتحبو تتغدوا ؟
فقلنا معا :
- اي شيء
قال
- دجاج ؟ كباب ..
قلنا مع :
- كباب ..
واضفت :
- كيلو كباب ومقبلاتها …
وافقت …ليعتقنا الرجل صائحا بقائمة الطلبات التي ينتظرها الزبائن …
تنهدنا ونظر كل منا نحو الاخر …انا بانفعال وغضب وهي بابتسامة استرضاء :
- بعدك زعلان ؟
- انا مش زعلان ! انا مقهور …
- حيلك حيلك …
- قبل حيلي وميلي …اريد تفسيرا …
- يا سيدي …انا استغرب كيف تنفعل كل هذا الانفعال وانت تعرف مكانتك عندي …واستغرب لماذا لم تفكر بها ببساطة …انت تعرف الذين حولنا ..تعرف باسم …فبسبب معرفته بأخي نصب نفسه وصيا علي ..ونحن نستطيع التحكم بعواطفنا ومواراة مشاعر الحب الجياشة امامنا ..لنغرق بها بعد ذلك …
- لا …لا …لا …ارجوك هذا العذر توقعته …ومتى طلبت ان نفجر العواطف امامهم …وان نقيّض المشاعر …ماقهرني انك عاملتني بعداء ….
تقاطعه .:
- لااااااااااء ..مو لها الدرجة
- مو لها الدرجة ؟ فلماذا لم تعامليني بشكل عادي ..كأي منهم …
- خشيت وحياتك ان لا اسيطر على نفسي وان لا تمسك نفسك فنظهر شعوريا او لا شعوريا …ما بيننا من حب …اجتهدت ان نبقى بمنأى عن ملاحظاتهم ..لانهم متلهفون لمسك خيط يستخدمونه ضدي بعد ان تسافر …يبتزوني …يشهّرون بي ……
- ..كل هذا باطل ..لاننا اتفقنا قبل يوم واحد فقط ..اتذكرين ؟ اتفقنا بوضوح ان نكف عن الحذر وان نتصرف على سجيتنا …فنكون نحن كما نحن امام الجميع …ان نقلع ضرس الخوف او الحذر من اي شخص في محيطنا …وليس فقط زفت ..وليعلن الحب عن نفسه واتفقنا على ان الذي يطلع في ايدهم يطلع في ….
تعض على شفتيها ..تنبهه ان لا يتمادى ..تحاول منع انفجار الالفاظ النابية …تحاول استرضاءه :
- قلت اني اجتهدت ..وللمجتهد اجران ان اصاب ..واجر واحد ان اخطأ …وانا لست طماعة …اكتفي بأجر واحد
لكنه يسترسل ..لانه لم يسمع شيئا ولا يشوف الفضا :
- … أما اذا تراجعت واردت ان تمهدي لعلاقة جديدة بعد سفري فهذا شأنك .
- …… هكذا تجرحني .
- اصنعي ما تشائين ..ولكن لا تشهري بوجهي اسلحة المرأة ..ولا تجرحي انسانيتي وحسي ووعيي …
- كنعان,ارجوك , اسمح لي ان اهون عليك ..انا لا اريد ان اجادل او احاجّ…
- ماذا اذن تريدين ؟
- اريد ان اعترف بذنبي …وادرك معك نفسي …
- يا سلام ! حسب الاصول ….
- ما عليك الا ان تهدأ وتقول لي ماذا اصنع لاكفّر عما بدر مني ؟! على اي عمارة او مبنى تريدني ان اصعد واصرخ باعلى صوتي معلنا حبي لك ..لك وحدك ..اي عمارة ؟؟ قل …اي برج ؟ برج ايفل ؟ …ستقول هذا مردود لانه غير واقعي ..لكنني اقسم لك لو تنطق الان ياسم اي مكان لتوجهت اليه فورا لتتاكد انني اعني ما اقول …
يبرد …يصمت ..تتابع :
- ..حسنا , امام اي مجموعة تريدني ان اشهر حبي لك ؟ وبأي طريقة تشاء ..؟ استاذ كرة القدم ؟ آه لو تؤجل سفرك ليوم يكون فيه لحتفال ما في احدى القاعات او لمسارح او لعبة كرة قدم …لتعرف الى اي درجة انا مجنونة !
أداء رائع …لم يترك مجالا لعتب …لكنه يترك مجالا لاختيار مدى الصدق ..هل يسمي لها مكانا وزمانا وجمهورا ويقول لها هيا …يعرف ان عنادهها سيدفعها للمغامرة …اذ لا يصبح امامها من مفر الا الجنون … يستفتي قلبه في مدى الصدق في هذا المشروع …مشروع الاعتذار والكفارة …يجيبه : اخرس …طالما انت متورط معها في الحب حتى الــ ……
- ليش ساكت ؟ شو بدك مني حتى تقبل اعتذاري ؟
- قبلة ….
فقبلته ..رغم المطعم والناس والطعام وكل شيء ….
شهق …فضحكا …تفلّت منها فالتفت اليهما عمال المطعم وزبائنه مستغربين منذهلين …غمزها ان تنتبه لهم ففعلت …ضحكت فضحك ..فغص وتوالى سعاله واخذ يضرب صدره لانقاذ روحه التي كادت تطلع …وقالت :
- وبعد ؟
- ان تبوسي رأسي …
فحاولت ان تبوس راسه بكنه ابعده حتى لا يتلوث بمعجون البندورة …واصرت ونالت منه وباسته بعد ان سقط احد صحون الطعام فلوثه وانشغل بمسح بقع الطعام بيده ..واستمتع الناس الذين كفوا عن تناول الطعام مشدوهيم بما يرون …ناسين افواههم مفتوحة على وسعها مليئة بالطعام …وحسبوا انهم ببلاد العجائب …
- كويس ! بعد ؟
- ….ان تبوسي راسه …
- هات …ان كنت رجلا …فضحك وضحكت …وسكت ..فقالت :
- شايف ؟ مش عيب عليك تتراجع ؟
- عيب علي ؟ حرام عليك يا شيخة ..فرح عظيم كان بانتظارنا لليوم الاخير فقتلته …حرام عليك …حرام عليك …
ضجة في مكتب السفريات :
- سيارتك ستتأخر للمساء …لان السيارة قد تحركت قبل قليل وانتظرناك فلم تأتي .
-ولكن موعد السفر الذي اعطيتموني اياه لم يحن بعد ؟
- صحيح ولكن هذا الذي صار …فماذا تريد ؟ونحن لا نستطيع ان نحرك سيارة لك وحدك ..
سوء التفاهم يكبر …والحوار يعبأ بالصراخ ليزيد التفاهم سوءا …وتضيع الطاسة …ولا جدوى …
تدخلت لانقاذ الموقف …حيث وجدت في ذلك انقاذا لنفسها :
-ما رأيك لو تؤجل السفر الى الغد ؟
فرج لهذه الفكرة/ الدعوة وقال :
- ولكن …السكن ..الوقت …لا اريد ان اتاخر ….
- كلها تدّبر ….
- ..إمممممممم…لا بأس ….
فرحت ..وهي لا تكاد تصدق هذا التجاوب :
- اذا سأبقى معك حتى الصباح …حتى تسافر …فترى كيف يكون الوداع !
زادت حماسته فاستأذنها ريثما يسوي اموره مع موظفي المكتب الذين مازالو يرغون ويزبدون …ولما اشعرهم برغبته في تأجيل السفر الى الغد …رحبو بأي اقتراح من شانه ان يحل المشكلة فيرتاحوا من حشد الحجج التي تعفيهم من المسؤولية …وعندما عاد اليها وجدها تبكي فرحا …حضنها وقال :
- فلنعد الى السكن لأسوي بعض الامور ..
- اذهب انت ودعني اذهب الى البيت …استحم وابدل ثيابي …ثم نلتقي …
- واين نلتقي ؟؟
-…………..
- في شقة باسم ؟؟
- ممممم …مثلما تريد !
- مثلما اريد انا …ام مثلما نريد نحن ؟؟
-مممممممممممم
- ماذا قولي ؟؟
-شو رأيك نغير المكان ؟؟ دعه يكون مساءا مختلفا …هادئا ..رومنسيا ….
- فكرة رائعة …فلنسهر في الفضاء …تحت السماء مباشرة …نعم ..ارى اننا بحاجة الى الشجر والماء وبهاء الطبيعية …
-إذن نلتقي على الكورنيش …في الحديقة التي تعرفنا ونعرفها …وتحبها انت كثيرا ؟
- على المقعد اياه ؟
-اوكيه …
- الى اللقاء
- الى المساء ….
**************************
ندية كوردة الربيع في مساء ندي كهذا …ترتدي ثوبا قطنيا ناعما …خمري اللون …منقطا بوحدات نباتية خضراء وزرقاء وصفراء …مثل الزعتر …منها زهرات ياسمين صغيرة تفوح منها رائحة عطرها الذي ساهم في رسم صورتها وانتمى اليها ..الذي احتفظت بزجاجة منه لأستحضرها هناك بواسطته ….
عناق حار …على ذراع المدينة التي بدا الحنين اليها يغزو قلبه ليتمكن من اسره عندما يغادرها مباشرة …عناق على مقربة من القمر …دون حذر من البشر …
- لك عندي مفاجاة …قالت بعد ان التقطت انفاسها من غمرة القبلة / البحر …
عمل الحدس بمهارة فائقة في جزء من جزء من الثانية :
- أحزر ؟
-إيه ؟
- جاءت الدورة …صح ؟
قالت وهي تهز راسها وتضحك من السرور بزف البشرى :
- صح
- متى جاءت ؟ بعد ان تركتني ؟
ابطات في الاجابة …خبث يتراءى :
- ممم ..لا …جاءت في الامس
بوغت بالاجابة :
- ممماذا ؟
هزت رأسها مؤكدة وهي تبتسم بمكر الذي نفذ مقلبا في خصم واكمله بالتشفي …..
- فلماذا اذن قلت انها لم تأت عندما سألتك في الكفتيريا هذا الصباح ؟
-طبعا سأقول ذلك لأحتفظ بك …انت لم تر نفسك وانت تسالني وتحسم أمرك معي وتقول …تقلده ساخرة :
- ..” كل مايربطنا الان هو الدورة …قولي فقط أتت ام لا كنت بركانا من الغضب …يا لطيف ! ماهذا ؟؟ أأنت هذا ؟؟
- ههههههههههههه
- …لكني اعرف قلبك …اعرف كيف ينبض ..واعرف انك لن ترتاح ولن يهنأ لك بال اذا سافرت قبل ان تلتقي بي …بأي طريقة وأي ثمن …لست نذلا فتدير ظهرك …فقصدت من جوابي أن أبقي على الخيط بيننا …
- كذبت عليّ..يعني !
- كذب ابيض يا حبيبي
- احبك يا ابيض …ههههههههه
- هههههههههههههه
- ولكن هذا يا حبيبتي يسمى ابتزازا …أليس كذلك ؟ إنكم تقتلون الجياد …أليس كذلك…
- سمه ما شئت …فقد كان المهم عندي أن أحافظ على خيوط العلاقة ..
- ولكنك انت التي افتعلت ما حصل بالامس دون سبب يذكر و …
- يا إلهي كم انت بغيض …ألم اعتذر لك بكل جوارحي …وكفّرت عن ذنبي باختراق المألوف في المطعم المحفوف ؟ ماذا ترؤيد ايضا ؟
نكهة الوفاء …يتلمظ …طعم الحب ….عاد صديقا …عاد حبيبا ….
نحلة من عذاب ابتعدت ….وذبابة من قلق كفت عن الحوم…صار الفضاء أرحب …لا خطيئة تشدك من الضمير …..ولا مفسر اللغز يأتي ليقلق اهل طيبة …فلا حاجة للعرافة …ولا لقتل الابن …عاد اليها :
- انت اذن مريم العذراء ؟
- لكن الابن ايها الاب لم يبعث فيّ!
- ينجو من القتل …فهذا زمن القتلة …
أديا طقوس الفرح يغمره الاحساس بالتحرر …الحب وحده عاد سيد الموقف …نقيا خالصا من اي توريط او مسؤولية …سيكون اذا استمر من اجل ذاته … واذا انتهى فلذاته …
أمسك يدها وحلقا فوق العشب …فراشتان طارتا من حبس توا …امتزج ضحكهما مع رائحة العشب الاخضر …جلسا …
ساد صمت قليل …
كنت اظنها المرأة التي قال عنها الشاعر بسيسو :
هذه المرأة تحبل من شفتيها …
تحبل من نهديها
من قدميها تحبل
وكنت اظنني خصبا لدرجة تتحدى جدران البكارة وخناجر القبيلة ….
تكاثف الغيم حتى حجب القمر …
اكتأب النهر …
-مالك ..؟ قالت …فقال :
- كان يعلم اذن أن لا رغبة لهذا العالم باستقباله …اوديب الذي ما جاء …فلا قتل الملك ولا ضاجع الملكة …
- وما حللت اللغز …استغرب كيف نبرمج لنكون ضد انفسنا …كيف تأتينا الرغبة الصادقة لتقديم انفسنا قرابين متوالية خوفا من لغز …
-عندما تغلبنا على العصابة ..او كدنا …لم نتمكن من التغلب على انفسنا المسكونة بالخوف والقلق …الاحباط …الانانية …ضيق الافق …التآمر على الذات …بالشعور …او اللاشعور …موت حتى الاخصاء …
أحست بطعنة الندم ..اقسى كثيرا من طعنة خناجر القبيلة …
تمنت لو دفعتها الشجاعة لتقديم بكارتها قربانا للقادم …بدلا من تقديمه قربانا لها …لهما ..للسلام في هذا العالم المسكون بالهمجية …
- كان ثمة فرصة للمغامرة …كان يجب تمزيق الحاجز ليجد الطريد منفذا للحضور وليكن بعد ذلك ما يكون …
* ******************
هذا هو المقطع الذي نال اعجابهم …فصفقوا بحكاسة ونظر بعضهم الى بعض برضى فائق قم نظروا الى السيد …لينفجروا من الضحك ..:
- هأ هأ هأ ااى
-هأ هأ هأ هأ هيييييييييييييييييء
-هأ هأ هأ ااااااي أهي أأ ةهي أه أه
- هأ هأ هأهه
- مخصيون ويحلمون بالتغلب علينا ! قال السيد وهو يتابع الضحك الهستيري فتصاعدت موجاته منهم من جديد …حتى وصلت الى السماء ..
*************************
- يبدو انني لن اتمكن من السهر حتى السحر كما وعدت …لا بد ان اذهب ..فأنا مرهق و …يبدو ان الالم نال مني …وشهوة التأمل تحاصرني ..
-لاااااااااااااااااااااااا!
-اعذريني ارجوك .
- اراك اذن في الصباح قبل ان تسافر ؟
- طبعا …لا بد من ذلك …
- اذن اين اراك ؟
- لك الخيار …كما تشائين
- ما رأيك لو هناك ؟
- هناك اين ؟
- قصر باسم …اود لو اودعك في مسار القمر الجميل …ولو نهارا …فسوف نرى موقعه وملامحه ..ليكن وداعا بدرجة الانصهار …درجة الموت …ليكن …سأبدد غمك واسقي فيك كل البذور العطشى …غمز :
- أنسيت أنك في الدورة التاسعة والتسعين للمجلس الثوري الطمثي الدموي ؟؟!
-كفاك تهكما على نصفك الثاني …او ضلعك الذي منك يا آدم …
- اوكي … ايف
ينزف الحزن ضحكا طفوليا يسيل في الطريق ويدوس الناس عليه حتى ينتصر الصمت …
ليل …قمر …ظلال ليلية ساحرة رغم كل شيء …نعيها …نعم …نحس بها …اضاءات تنعكس في البر والنهر …النهر يـتألق …سكران…والارض نشوى …كأنها شربت النهر ..نعم …كل شيء يحيلنا الى ذلك المساء ,,,مساء استثنائي …: انا وهي في المركب …بين عائلات عليها طابع الاناقة البسيطة …كما طابع الاستقرار والتفتح …والركب مقهى ورصيف …ارصفة …يسير ببطء وتوازن …ليس كمركب رامبو السكران …منتش …مجرد انتشاء …هو المركب النشوان اذن…يمشي ولا يمشي …انتبه الينا المرافقون في هذه الجولة وهي تلقي برأسها على ذرؤاعي وتتأمل نجوم السماء او تعدها …ادركو اننا عشاقا واستوعبونا …فما كنا مبتذلين …بل كنا دونما قصد كما في فيلم رومانسي مرهف …حتى اعتقدنا اننا خارج الوطن …بل خارج الكرة الارضية …خيوط من نور قادمة …من بيوت على مرمى البحر …ومن محلات قريبة كذلك …الارض تدور تحت اقدامنا …البساط الاخضر ينسحب …هنا الشارع …السيارات تأتي وتذهب …تصل ببطء…ثم تذهب بسرعة البرق …الحافلات …هي غيرها في النهار …هنا مضيئة مسرعة …وفي النهار سلحفاة …الاضاءات باهرة هنا …والهواء بارد …دخل تشرين فأهلا بالشتاء …المطر …البشر …السفر …بالهواء بالحافلة ……بسرعة الريح تخترق جسد الهواء كما السبح يخترق جسم الماء …كمركبات الملاهي تدور في فلك اوسع …وقوف …نزل …الايقاع الهادئ …هنا على الارض من هنا السير نحو حيهم الشعبي القديم …الاضاءات تنسحب تدريجيا …حتى تبتعد اذ يقترب الزقاق البائس …المعتم …الى هنا فقط …حتى لا يراك احد من اهلها …قبلة حارة …محمومة …
- تصبح على خير
- تصبحين على الف خير
- الى اللقاء في الصباح
- مع السلامة …
انتظر ريثما يفتحون لها فتدخل …حسنا
العودة الى الشارع …عودة النور …عودة الحنين …عودة الوحدة …الحافلة مرة اخرى …الشارع …هنا السكن …ضجة …
نفسك مرفوعة عن الحديث والمجاملة …وانت في حكم المسافر …ما عليك الا ان تسلم وتؤكد لهم انتهاء اقامتك غدا قبل الظهر وتستاذن لتصل الى غرفتك فترتاح …فإن صادفت جيرانك فلخص لهم الموقف …واعتذر عن الجلوس والسهر لانك متعب وبحاجة الى الراحة …
**************************************
في مجلس السيد كفو عن الضجة …وصمتوا كما لو احسو بخطر …بعد هنيهة ..تطلعوا الى السيد يستفسرون الامر …فابتسم وقال :
- لا …لا تقلقوا …كل ما هنالك ان دوره انتهى ..فقد قام بالواجب وزيادة …لقد طلبه الرب ليكافئه …
تجاوبوا معه في الضحك ..فاضاف منتشيا بسرعة بديهته :
- لا بد للوجوه ان تتغير على المسرح تبعا لما تقتضيه المرحلة وكل هذا يسير حسب الخطة …
ثم ترك المجلس …كمن جد عنده أمر طارئ …وفي اللمحة الاخيرة لوجهه التقطت عين التاريخ بعض بوادر القلق …
**************************************************
عناق حتى الذروة في الغرفة الاسطورية …قبل …قبل …قبل …قبل ..قبل ….العين …العين الاخرى …اليعون …الشفاه الرقيقة …الشفاه …الخد …الاذن …اللسان …الشفاه …يرشف هواءا لذيذا جدا يتلمظه …يرشف لذة لذيذة جدا …يتلمظها ..الرضاب …شهد الرضاب …رعدات مربكة ..وارتجافات …الارادة تقف …تواكب الحركات المنفعلة بجنون مشبع باللذة ..العنق …يعض : أي …حرام عليك …وشوشات مبحوحة …العنق من جميع الجوانب ..طوق من القبل يحرك شذى الياسمين فيفوح العطر …عطرها …الكتف من الخلف …من الامام …الايادي تتشبث بالنشوة وهي ترتجف …القمصان تحول دون اندماج الاجسام العطشى …الاصابع تفك الازرار بسرعة وعذاب لذة …تتطاير قطع القماش الصغيرة …الصدر…النهدان …طراوة الندى الباقي …نعومة ولين …تغوص الاصابع في الذ تجربة حسية …يتكور النهد تحت الراحة …يلتهب القلب …رجاوات التعلق بخيط النشوة …ابتهالات الجسد ,…البطن ,الظهر …البطن …السرة …البطن …اسفل البطن …اسفل …حدود بنطلون القطيفة الخشن …الكمر…خشن …السحاب :
- لا …قف عندك …هذا حدك …ام نسيت ؟!
- لا …اطمئني أعرف …ولكني احسس جمال التكوين …النحت …فالاشعاعات النووية تصل قلبي …وذاكرتي محشوة بتفاصيل جسدك …لكني بهذا اعمل على الاندماج الحسي …
اشتدادات في الاعصاب …وخصوصا اعضاء الاعصاب ذوات العلاقة بمشاعر الحب والجنس والثورة …وارتجافات الحب والمتعة والخوف والفرح والحزن والالم …دارت الارض واختلطت الكائنات والعناصر …الصدر عار وبنطلون القطيفة الرمادي ذو الزعانف الطويلة الخشنة يتمسك بحوضها فتتجلى عروس بحر تخرج من الماء متطاولة ثم تنتشر بتموجات جامحة وتتلوى بحركة النار المجنونة …ويطير اللباب …ثم يغيب كل شيء …
يحترق البحر …يستسلمان فيلفظهما على الشاطئ ….وتخمد النار …..
**********************************************
كوووووووووووووني عاقر
أي ارض فلسطين
فهذا الحمل مخيف
كوووووووووووني عاقر
أي ارض الحب …
فهذا الحنان مخيف
بدا الصباح نزقا رغم عناصر البهجة …العطر والضياء الحنون ولقاء الحب العائد …العناق المثير واحتراقات الجسد واليقين بالعقم ….فلا بسطار جند ولا خناجر قبيلة …وخبر الامس : سحل الزعماء المصطنعين بعض عزاء للمقهورين المغلوبين ..رغم هذا ورغم عناصر اخرى غامضة لم يلملمها الوعي ولم يلمحها القلم ولو من بعيد …رغم كل ذلك بدا هذا الصباح حاد المزاج وقد كست الجدية سحنته كأنه يتنبأ بنبأ عظيم :
- انت سارح ؟؟
- أنا مغموم …يسكنني سيزير :
(( أماه …ليس في هذا العالم انسان مظلوم …
انسان مقتول مسحول …
انسان محروم …
لا اقتل او اهان فيه ))
تتأثر …….
النظرة الاخيرة لتفاصيل الشارع القديم …السوق القديم …مطاعم الدرجة الالف التي غذت قلوبنا …المحلات والاكشاك المزركشة كملابس المهرجين ..الحمام التركي القديم …هنا كنت استحم …انقع جسمي القذر في بخار الماء المغلي ..واطلب من المدلك ان يستخرج الفتائل السوداء …وابصق ..ثم اغسل الجسد المرهق بالماء الكثير الكثير …الساخن فالفاتر …ثم مرحلة فمرحلة انتقل …حتى اخرج متلألئا …استريح بينما اتناول الشاي ..القهاوي ومقاعد القش …صوت المقامات القديمة يصدح ..اديب الدايخ …بيت عائلة باسم الى الامام قليلا على اليسار في الزقاق …
الرجال المارونيحدقون بها بوقاحة …صحيح ان بمطلون القطيفة ذا اللون الرمادي ضيق لدرجة الالتصاق بجسمها حتى يسبب الاثارة …ولكن رد فعلهم يبدو فجا متعمدا التحدي ويعني انتهاك حرمة الآخر اواجه نظراتهم بنظرات تحد : أي عيب !! صدامات كثيرة مرشحة للظهور …
- مابك ؟ ما شأنك بهم ؟ دعهم لحالهم ….
- انا لا اريد شيئا …ولكن الانسان ليس موضوعا للفرجة …ان ابسط قواعد الاخلاق تقول هذا …انا ممتلئ بالغرائز …ولكن غريزة الجمال هي الاقوى ..او المفروض ان تكون كذلك …ويظل علينا ان نتصرف …ولو بالظاهر على الاقل …انطلاقا من الناحيتين الفنية والحسية ..قد اجد انني راغب في تأمل الجانب الفني ومستفز حسيا …فأسرق النظر لامرأة جميلة بخفة اللص المحترف …وقد ارمي سهام نظري على مواقع الاثارة الشديدة ..ولكن بدون وقاحة …وقد اتلوى شوقا للدخول فيها لأنه ليس بيدي غير ذلك …لكن يجب ان يتم كل هذا دون ان التسبب باحراج الشخص الاخر …عليّ من الجانب الانساني ان احترمه …احيانا تلتقي عيون رجلين فيتحدى كل منهما الاخر بالنظر حتى حتى يقول احدهما للآخر …ماذا تريد ؟؟…علام يدل ذلك ؟؟ ..على ان مجرد النظر اليه سبب له ضيقا شديدا …وتخيلي شكلا اخر للسيناريو ……
-آه؟؟
- تخيلي احدهم ادار وجهه في المرحلة الاولى عندما التقت عيونهما ثم استمر الاخر بالنظر اليه فظل الاول قلقا لاستمرار الاخر بالنظر هكذا ..فسرق اليه نظرة اخرى فوجده مازال محدقا به …لابد هنا ان يحس بالضيق وان تجنب الصدام لن يحس بالراحة لأن القلق يساوره …لماذا ؟
لأن الانسان لا يحب ان يكون موضوعا مخترقا بشخصه وذاته …ان يكون فرجة حتى لو كان جميلا …
- نعم ولكن ……
- انظري الى هذا الوقح مثلا …يتابع نظرته بوقاحة …اليس كذلك ؟؟
- ..دعني اتحدث ولا تقاطعني ….
- عفوا تفضلي ..
- افرض ان الانسان انتابه الاعجاب …فتن …ويرغب باشباع نظره بما فتن به …ونحن خاصة النساء …نعمل كل وقتنا لكي نلفت الانتباه عن طريق تجملنا …بل نعمل لنفتنكم ايها الرجال الضعفاء …
- حسن …قلت لك ..احاول ان اشبع نظري بما يفتنني …ولكن بحذر …بذوق …بخفة ..بأناقة …ليس هكذا : يدلع لسانه ويرخي حنكه ويحق في موضوع فرضي كالأبله …تضحك …يضحك …
- …يعني اقتربت من الاقناع ..لكن ..
- ثم هناك شيء اخر …فالأصل ان يعبر المفتون عن افتتانه بمستوى راق رقي الانسان نفسه …فالافتتان انعكاس غامض لاكتشاف الجمال يتجلى بالفن …فقد يرسم المفتون او يكتب شعرا او يؤلف موسيقى ..او ..او …وان لم يكن موهوبا …يصرخ ممجدا الخالق …وله ان يعبر بطريقته عن اعجابه بما يثيره ..بإمرأة اعجبته مثلا مباشرا هكذا بتلقائية وبساطة …
- هالله هالله …لكي تضربه بالحذاء …
- هي تصبح هي المختلفة …الا اذا كان اسلوب التعبير سمجا : ايش يا حلو…طنيب على الله …عبّرونا ..حنّوا علينا …بكرا ح تندم يا جميل …غريب ! يقولون ما في رمان بالبلد …..ايش هالطـ………
- أراك ماهرا في المعاكسة …
- شو شايفة ؟؟ هي ثقافة الفراغ /الثرثرة …اثر من آثار الثقافة الاستهلاكية يا سيدتي …المعززة بالكبت وانتاج الانماط …وحجب الافق …ومحاصرة الابداع …هي علمتنا هذه القوالب الهزيلة ..هي السوقية التي أُقحمنا فيها دون ان نجد مخرجا …ولا بد ان لها دورا في بعض مواقع الصراع …ولكن ليس هنا …
تتعلق المسألة بحساسية الصراع وحساسية دور اسلوب التعبير ربما …اكثر من جوهر التعبير نفسه …والمهزومون الضعفاء أحوج للحرص على دقة وسائل الصراع وصيانتها …لان مهمة الانتقال الى مراحل جديدة اصعب بكثير من مهمة الترسيخ …يتذكر ..ثم لماذا تستدرجيني في هذا الحديث عن المضايقة بالنظر واذكر انك طرحت نفس هذا الرأي مرة على ما أذكر ؟؟ وأعلم انك تستفزين كل احاسيسك ضد تصرفات الرجل الشرقي تجاه المرأة التي تفهمينها والتي تسيئين فهمها ؟؟ كيف هبط عليك هذا التعاطف المفاجئ مع الرجل الشرقي يا خيرزاد ؟؟
- ما رأيك لو نغادر اليوتوبيا ونفكر في ما تبقى لنا من وقت بموضوع سفرك وغيابك وبما سوف تعمل هناك …
- أتريدين الحق ؟
- طبعا …أمال ؟؟ …انا عايزة ايه ؟؟
- صدقي اني افتعل هذا الحديث لأهرب من التفكير بالسفر ..
- مم تخاف .؟!
- اخشى فعلا ان لا اتمكن من العودة …
- وماذا ستعمل في مثل هذه الحالة ..؟؟
- فيما لو منعت من العودة لاسباب سياسية ..فأنا افكر بالنفاذ الى مدن المغرب العربي ..التي سمعنا عن هامش الحرية فيها …فضلا عن قربها من العالم الاخر …فإذا ارسلت لك من هناك فهل تلحقين بي…؟!
ابتسمت بخبث ..وقالت :
- آه …يبدو ان حديث الزميلات اول أمس كان له مفعول قوي !
- إياك ..إياك ان تنضمي الى صنف النساء الغيورات…
- ….لا تكبرها…انا اداعبك فقط …شومالك …؟؟
- حسن ..اذا كان الامر كذلك فلا بأس …اجيبي
- بم اجيب بغير يا ريت …فهذا هو الحلم …المنفى الابعد في الجغرافيا …الابعد في جوهر الذات …الاقرب لظاهر النفس …الاقرب الى مجال الانطلاق …كما نتصور …
- نعم ..بهذه الطريقة انا افكر …ولكن الصورة عن بعد لا تكون واضحة …وجل ما نخشاه ان لا تكون هذه سوى اوهام …
- تسافر اولا ثم تدرس الجو وتخبرني … ثم لماذا يدور الحديث وكأنك لن تعود الى هنا وانت ذاهب في مهمة ستعود بعدها ؟؟ وأي ضير في ذلك ؟؟ولم انت متشائم الى هذا الحد …
- نعم انا متشائم …بل متشائم جدا …
- انا متفائلة …
- صحة وعافية ……..
صمت …………………………………………. …
ثم جاءه خاطر فاستدرك …:
- فإذا اندمجنا وصرنا واحدا يكون متشائلا ……..
- بل متشائلة.. من فضلك ….
- دخيل رب تاء التأنيث …يالهي كم انت متعصبة الى جنسك!
- أرأيت انك مازلت ذكرا شرقيا رغم كل ماتدعي من موضوعية وتحرر …انت ..انت بالذات المتعصب الى جنسك ولست انا واستطيع ببساطة شديدة ان اوضح لك ذلك …
- تفضلي ,.,,ولكن ارجو ان تكملي قبل ان يصيح الديك ويدركك الصباح …
- قلت متشائلة ايها الملك السعيد …والعمر المديد …لأن التفاؤل لي …انا الذي اخترته …والتشاؤم لك …انت الذي اخترته …وحيث ان المقطع الخاص يالتفاؤل جاء في الاخير وحيث انه المتعلق بصفتي انا …فيجب لذلك ان يطابق جنسي انا …
- حسن …ولكن بهذا اندمج في المؤنث …فهل ترضين ؟؟
- فإن لم ارض ان تندمج في المؤنث …فهل ترضى ان اندمج بالمذكر ؟
- لا , طبعا …ولكن صيغة المذكر تشمل الجنسين حيث تعبر عن النوع الانساني ….
- نرى في هذا غبنا آخر …
- فما الحل .؟ ….يا سيدتي ؟
- لماذا نتشاجر على الاندماج والله اعلم ان كننا سنندمج ام لا ؟
- هل تلمحين الى رغبتك في الحصول على وعد مني ؟
- لا ابدا , ليس هذا بذهني …لكن الذي بذهني تساؤل صغير غير هذا بتاتا وان كان يمت له بصلة …
- فما هو ؟
- اتساءل ان كان يمكن ان تتزوج هناك بالشروط السائدة تحت اي ظرف …وتتخلى بذلك عن كل الافكار الجميلة التي فتحت رؤيتي عليها …وكنت اعتقد في البدء …ولا اخفيك …لن تزعل ؟؟؟؟؟؟
- قولي ..قولي …لن ازعل ولكنني اعرف ……
- نعم لا اخفيك انني كنت اظن انك انما كنت تنظّر …تزاود لتسرح بي …لكي …لكي تستدرجني …و..وتوقع بي …وانك انما تسعى الى العلاقة الجنسية …لكن مواقفك الاخيرة اوحت بالانسجام بين طرحك وحياتك …حتى ان زميلتي في القسم …الوحيدة التي اصارحها باسراري تعرفها …اليس كذلك ؟
- نعم …نعم …
- هي اكثر من زميلة ..بل اكثر من صديقة ..سألتني في ازمة الدورة : هل تخلى عنك ؟ أم يهتم بك ؟ فالرجال يتقربون لمصلحتهم وما ان ينالوا رغبتهم حتى يديروا ظهورهم …فلا يبقى للنساء سوى الفضيحة والالم …ومواجهة الصبر ..
- وبماذا اجبت الصديقة العظيمة ؟
-اطمئن …..قلت لها : لا …من هذه الناحية اطمئني ….لم يدر ظهره …لم يكن نذلا …كان رجلا
-
اطمئن …..قلت لها : لا …من هذه الناحية اطمئني ….لم يدر ظهره …لم يكن نذلا …كان رجلا..المس فيه صدقا ..واعول على ايمانه برؤيته …حياته ..كشف عن حلم اكبر مما يوحي به القول …
أراك بوضوح الان …واخذت منك البشرى …ولا اريد ان افقدها فيك …ولا اخفيك انني مليئة بالهواجس ..لا احتمل ان تتغير فتختلف …يسكنك آخر فيتنكر لك …يتنكر لآرثر رامبو ..ولي ولجيروم بوش …الذي صور حلمك ..في لوحة حدائق الجنة …او ما هو اسمها …نسيت ………
- اسمها حديقة المذات THE GARDEN OF THE EARTHLY DELIGHTS
- صح …مزبوط ..تذكرت ..هل تعلم اني رأيت اللوحة عند الدكتورة التي ذهبت لمراجعتها بشأن الدورة …ولكن يبدو انها من عالم آخر …أعني وجدانها …فقد نظرت الي نظرات اتهام …إنها منهم وليست من عالم بوش ..ليس منا …وتساءلت عن سبب حرصها على اقتناء نسخة من اللوحة طالما أنها بهذه القسوة؟؟ اذ لا تبدو أية آثار للوحة على سلوكها …
- تتباهى الطبقة الطفيلية هخذه بإقتنائها للآثار الفنية …تتصنع استيعابها واعجابها فتردد عبارات مكرورة لنيل اعتراف الطبقة الارستقراطية بها …تشبثا بحلم الانضمام اليها …زيف …اليس كذلك ؟؟ فالله بينهم وبين الفن …والله بينهم وبين الجمال …والله بينهم وبين الروح …
يتشدقون بالحديث عن فان كوخ …يتصنعون تذوقهم لأعماله …يتحدثون عن شوبان وعن موسيقاه …بكنهم بعيدون جدا عن لمس المغزى الحقيقي للابداع …لانهم بعيدون عن المغزى الحقيقي لوجودهم الانساني …ولذلك فهم يستخدمون الفن كما يستخدمون الازياء …زينة …طقوس برجوازية …مغرية ,ساحرة ..ربما …ولكنها تظل في مجال السطح ..قشور ..بينما يبقى الوحش في الانسان الذي يستغل الانسان ..
اسألي غويا …يبدأ الانسان في استخدام الانسان في العمل …فيأكل المستخدم ما ينتجه المستخدَم …فكأنه يأكله …وفي مرحلة الوفرة يستخدمه لعرض الازياء ..لكي يتمكن من الحكم عليها فيقرر ان يشتريها او لا يشتريها …ثم يستخدمه لكي يعزف له ..فيمتعه او يرسم له …
قال القيصر لشوبان : اعزف ….اني مصغ …
فقال شوبان : انا اعزف ولكن ليس في حضرة القيصر …
وودع حبيبته على حدود بلاده ..عند النهر وفرّ خوفا من القيصر …
وينتهي المطاف بالانسان ..كما بدأ …الى قتل الانسان …تحت أية حجة او مبرر …ثم الى مص دمه بالطريقة التي رسمها غويا …ونحن نرى ولا نعتبر…والنفوس تظل اقسى من ان تتمكن لوحة او قصيدة او قطعة موسيقية من التأثير فيها …تعلّمَت كيف تصفق للخطاب التافه لمجرد خروجه من فم الغني او صاحب الجاه …مابالك بالسلطان ! …..ترقص على ايقاعات الاغاني الرخيصة التي يردح بها المخنثون والعاهرات …غدونا بحاجة الى زمن تطور طويل لنعود الى انسانيتنا …لنعود الى زمن البراءة …وقد صرنا الى قوى عظمى داخلنا نخرج بها من المأزق الذي نشخصه تشخيصا دقيقا ….ونخمن انه بسيط ….
المهم : بالنسبة لماقلته حول الضمان ..فأنا استطيع ان اضمن لك ان لا اقتل عالمي بيدي …لكني لا اضمن ان لا اضعف حيال قسوة الحياة ودوامتها …صحيح ان اكثر ما يعزز ايماني بحلمي هو تطابقه مع احلام مفكرين او فنانين آخرين …وطالما ان هناك حلما مصورا على طريقة جيروم بوش …فإن الحلم يصبح مشتركا ..أي مشروعا وبالتالي محتملا ويقترب ولو بسرعة السحفاة من التحقق بقدر ما نندفع للتقرب منه …وانت شاهدة على اني اعيش هذا الحلم بكل جوارحي واسعى اليه مغامرا بقلبي الضعيف لأخوض حرب طروادة اخرى …
لكن هناك واقع يأسرنا بضيق افقه …ونحن بتكويننا الداخلي جزء منه …وهو جزء منا …فمازلنا مسوخا لمشروع الانسان الذي رآه الفنان ورأيته …حلمت بكابة يوتوبيا …ولكني عندما رأيت اللوحة …فرحت اذ وجدت ان احدا قام برسم المشروع بدقة متناهية فما من حاجة للتكرار …الناس عراة كالازهار وعرائس البحر والايائل …الناس انقياء كقلوب الرشا …تفاعل البشر مع الكائنات الحية والعناصر الاخرى بانسجام أخاذ ..اتلناس على صورتهم الاولى بمختلف الوانهم …العصافير …الغزلان …الاسماك الاصداف …المحارات .. الفئران …العنب ..الكرز …الفراولة …سطوح البلور الاسطوانية …او المخروطية …القواقع …الماء …الفضاء …الخ …وشرعت قوانين منها : مدينة فاضلة ارتقى بها الانسان لمرحلة اعلى …النبل فيها هو السيد ..ومن تسيطر عليه الشهوات الدونية يمسخ الى انسان .,..
مادة 2- من تسيطر عليه اطماع السيطرة والاستعلاء …يمسخ الى حيوان …
مادة 3-من يطمع باكتساب القوة على حساب العدالة …يمسخ الى حشرة فبيحة …الخ
آآآآآآة..زماذا اقول : فقد اتزوج ..بدافع من ..من …من رغبة في فك العزلة …او هربا من حصار اجتماعي …او تحمل السؤولية في حالة تورط …كما اوشكنا ان نفعل …او الاستسلام لاغراءات الحياة التقليدية …حب شرعي حسب الاصول …جنس محلل لدرجة انهم يحملونك على اكف الراحة ويدخلونك على العروس المنتظرة …الخ
لكن ما أؤكده لك …انني لن اتزوج زواجا تقليديا …هاقد وصلنا مكتب السفريات …لحظة من فضلك …
هنا ينتهي كل شيء …لحظة جليلة دون ان تتمكن من اعطائها حقها …وداع صامت لسفر غامض ..لا تعلم ان كان قريبا او بعيدا …هي الدنيا …هو السر الغامض داخل هذا المخلوق …نقطة الضعف الانساني التي تجعل من جنرال حرب يبكي في حضن امرأة او مشهد مؤثر …
ترتجف شفتاها …سرب من الفراش الوردي يتحفز للطيران من على شفتيها …لكن عيون البشر الفضولية في الطريق تمنعه …فراشة واحدة تفلت …انتحارية …تحط في القبلة بين الشفاه المترجية الامل …قبّلها …نعم في الشارع العام …قبلة خفيفة خطفت كالفراشة الهاربة من السرب …التفت الناس باستهجان …وتجاوزوهما وقد ردت اعناقهم للخلف …لكن أيا منهم لم يسبب ضيقا …كما ان الوجوه التي مرت جميعا ليس فيها وجه يعرفونه او عين تعرّفت عليهما ….
يتموت الفراشة اذ تفلت ايديهما …
اغرورقت …حبة واحدة تنزل بصمت …يراها …تحفر في قلبه اخدودا …يقسم ان يحفر مثله هنا …تلوح وجهها شمالا وتحت لتتماسك …تتمكن من التماسك بصعوبة …يبتسم مشجعا وهو ينزف …أفاقت فقالت :
- مع السلامة …وسحبت يدها …
نظر الركاب اليه …وتطلع السائق اليه مستعجلا اياه …
- مثل الافلام …علق واحد مستغيبا وراء ظهره للفت الانظار …دون مواجهة …ولكنها دخلت اذنه كالمسمار .,….
أهون من الرجم …أهون من اي شيء …لو توقف الامر عند هذا الحد لعانقها بعنف …
- يا الله …عادت تهمس بحرص …كما لوكانت ترغب في الحديث دون ان يصدر منها اي صوت …
- يا الله …الى اللقاء …قال واردف …
- …سأعود …او تأتين الي …ثم لقم نفسه لقفص الحديد …وعلق يده إشارة الوداع …ومسحت يدها بحركتها البندولية ضبابية المسافة وقسوتها …تحرك القفص بواسطة عجلات من الكاوتشوك مبتعدا عنها …تنهدت وهي تنسحب مع الارض بتباطؤ نحو مرحلة مجهولة ليس على عتباتها سوى ذكريات أيام رائعة وامل بعودتها ابهى واجمل …وصلت نهاية المنظور …التفتت …
استمرت السيارة في الابتعاد حتى تحولت مريم الى نقطة سوداء ثم غابت ….
بلع ريقه وادار ظهره …ماتت الموسيقى تحت اقدام الصخب المنتشر في فضاء السيارة …
- متى نصل الحدود ؟
- عم بفتشو ؟؟؟
- ماذا يمنعون ؟
- بم يسمحون ؟
- متى نصل ؟
وصغب عم داخل القفص الحديدي …وصوت سميرة توفيق يصدح …
بيع الجمل يا علي …..واشتري مهر ال إالي ..
وبيع الجمل يا علي
اقتربت الحدود وانشق القمر …هل يعرقلونني يا ترى ؟؟..كل ما هنالك انهم سيحجزون الجواز …ويعطوني ورقة لمراجعة المخابرات …ولن يحصل شيء …ولكن نظرتهم قاسية ..وتعاملهم صعب …هل نحن اعداء؟؟ هل يشكلون نقيضك حتى تكون بينك وبينهم هذه المسافة ….؟؟على العكس فأنتم اصحاب قضية واحدة ..ومصيركم واحد ..ولكن سوء التفاهم كبير كجبل من صخر ….والسياسة تمسح الدماغ وتحشو الرأس بالرصاص …لماذا عادوك ؟! ..في ايلول ؟؟! والنتيجة ؟تلك الهزائم …تلك الارتحالات ..تلك المكاتب …تلك البيروقراطية الثورية …تلك الانقسامات ….تلك النزاعات …تلك الصدامات …خراب المدن …تضخم الذات القيادية …جراء تنامي الاعداد المرتبطة مصالحها في القائد …ترهل الشعب الارعن …اللاجدوى …اللاجدوى اللاجدوى …الليل ..دخل الليل واقتربت الحدود اكثر واقتربت الساعة اكثر …وغاب القمر ….
- هاتوا الجوازات يا شباب …
هبط قلبه …هوى كنيزك …
في احدى امسيات العرق في احدى الخانات المكتظة على صفحة صمتهم التأملي …وحيث فتح الحديث عن الموت …خطر لزياد ان يسال :
- ترى لو خيرت في صيغة موتك ..فبأي طريقة تفضل ان تموت ؟؟
-هوووهووو ….صيغ كثيرة …في مواجهة عدو دفاعا عن وطن او بيت …او طفل او امرأة …في حضن فتاة جميلة اثناء قبلة ……
لم يبد أن ذلك راقه …ولم يقترب من خاطره ….فضحك ساخرا لتقليدية الاختيارات …ثم قال :
- نيزك
- نيزك ؟
- نعم …ان يهوي عليّ نيزك فأموت …تلك هي اجمل صيغ الموت بالنسبة لي ….
احتفظ بالصمت والهواجس …..وكان غيره اجرأ منه على الحديث مع السائق :
- انت ليش اعطيتنا اياهن ؟ ليش ما خليتهن معك بدل كل شوية هاتوا الجوازات خذوا الجوازات ؟!
- يالله بلا كثرة حكي …..
ثمة يتبع ما